مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[قصة سليمان عليه الصلاة والسلام]

صفحة 523 - الجزء 1

  أن يتطهر من جنابة أو غيرها للصلاة أن ينزع خاتمه أو يديره في إصبعه حتى يصل الماء إلى البشر الذي يكون تحته، وينقي من الدرن ما حوله - فلما نزع الخاتم ومضى لطهوره خرج حوت من البحر فابتلع الخاتم وذهب في البحر، فلما فرغ سليمان من طهوره ونظر⁣(⁣١) إلى الموضع الذي كان وضع فيه خاتمه فلم يجده، فعلم أن ذلك بسبب قد أحدثه، وأن الله سبحانه أراد بذلك فتنته، فدعا الريح فلم تجبه، ثم دعا الطير فلم تجبه، ثم دعا الجن فلم تجبه لما ذهب عنه الخاتم، وإنما كان الخاتم سبباً من الله لملكه قد جعله فيه، وبه كان يطاع، فعلم سليمان أن العقوبة قد وقعت.

  ووثب العفريت الملعون على سريره عند ذلك، وهو ملكه، وكان يتكلم على شبه كلام سليمان #، وهو من وراء حجاب لا يظهر ولا يرى له شخص، ودعا فلم يجبه إلا الإنس.

  ومضى سليمان باكياً نادماً على فعله، وجعل يتبع الصيادين على سواحل البحر يخدمهم ويعينهم وهم لا يعرفونه ولا يعلمون أنه سليمان، فأقام على ذلك وقتاً اختلفت فيه الرواة فقال بعضهم: أقام أربعين يوماً، وقال آخرون: بل مكث خمسين يوماً، وقال قوم: سبعين يوماً، وهو⁣(⁣٢) أكثر ما قيل فيه، فجعل يتبعهم ويعمل معهم، ويعطونه في كل يوم حوتين، فيبيع أحدهما فيشتري به خبزاً، ويشوي الآخر فيأكله.

  فلما علم الله منه التوبة والرجوع والإنابة والخضوع أراد أن يرد عليه نعمته، فانصرف ذلك اليوم ومعه الحوتان اللذان عمل بهما يومه ذلك، فشق بطن أحدهما على ما كان يفعل فإذا بالخاتم قد خرج من بطن الحوت، فعرفه عند ذلك فأخذه وشكر الله وحمده على ما أولاه، ثم دعا الريح فأجابته، وكان قد أبعد من


(١) في (أ، ب، ج، هـ): نظر.

(٢) في (هـ): وهذا.