[قصة يونس عليه الصلاة والسلام]
  فقال بعضهم: هذا صاحبنا وقد لزمنا من صحبته ما يلزم الصاحب لصاحبه، وليس يحسن منا(١) أن نلقيه في البحر فيتلف فيه على أيدينا ونسلم نحن، ولكن هلموا نَسْتَهِم فمن وقع عليه السهم ألقيناه في البحر.
  فتساهم القوم، فوقع السهم على يونس، ثم أعادوا ثانية فوقع عليه، ثم أعادوا ثالثة فوقع السهم على يونس، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت ومضى في البحر، وكان يونس صلى الله عليه ينظر إلى عجائب البحر من بطن الحوت، وجرت سفينة القوم بهم.
  قال: ولبث يونس صلى الله عليه في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك، فاستمط(٢) شعره وجلده حتى بقي لحمه، ومنع الله منه الموت، فلما علم الله توبته وقد نادى بالتوبة: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}[الأنبياء]، فاستجاب له وتقبل توبته ورحم فاقته، فأرسل ملكاً من الملائكة فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فألقى يونس من بطنه، وقد ذهب شعره وجلده وذهبت قوته فرد الله جسمه على ما كان عليه أولاً من تمام صورته وحسن تقويمه، وأنبت الله له شجرة اليقطين وهي الدُّبَّاء فكان يأكلها، فلما اشتدت قوته واطمأن من خوفه وإشفاقه أرسله الله إلى قومه، وكانوا في ثلاث قرى، فمضى إلى أول قرية فدعاهم إلى الله وإلى دينه، فأجابه نصفهم أو أكثر من النصف، وعصاه الباقون، فسار بمن أطاعه إلى العصاة لأمره، فحملهم عليهم وقاتلهم فقتلهم وأبادهم.
  وسار إلى القرية الثانية فدعا أهلها وأعذر إليهم وأنذرهم، فأجابهم منهم طائفة فحمل المطيع على العاصي فقتلهم وأبادهم.
(١) في هامش (ب): شيمتنا (ظ). وفي (أ): يشبهنا، وفي الهامش: يحسن.
(٢) سمط الذبيحة سمطاً: غمسها في الماء الحار، أو في مادة كيمياوية لإزالة ما على جدلها من شعر أو ريش قبل طبخها أو شيِّها أو دبغ جلدها. (معجم وسيط).