[قصة يوسف عليه الصلاة والسلام]
  يراني هذا الذي في البيت فأرخيته(١) حياءً منه، وإجلالاً له.
  فقال لها: فإذا كنت أنت تستحين من صنم لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع، فكيف لا استحي أنا من الذي خلقني وخلقك وخلق هذا الذي تخافين منه وتستحين، بل أخاف وأستحي من الذي خلقني وخلقكم(٢)، وهو خالق السموات والأرضين، ثم نهض منها هارباً بنفسه، فلحقته إلى باب الدار، فقدت قميصه وألفيا سيدها لدى الباب، وهو زوجها الملك، وذلك أنهم كانوا يسمونه السيد لموضعه عندهم ورفعته فيهم. فقالت له: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٢٥}[يوسف].
  قال يوسف: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}[يوسف: ٢٦].
  فتحير الملك واشتبه عليه الأمر، وكثر فيه القول، فذكر بعض الرواة أن الذي حكم في ذلك صبي صغير كان في المهد، واختلف فيه، والذي صح عندنا في ذلك أنه كان صبياً قد عقل وهو من أبناء خمس سنين أو شبيه بها، فأتي به إلى الملك فقال: إن كان قميصه قُدّ من قُبُلٍ فصدقت هي فيما ذكرت من مراودته لها على نفسها، وإن كان قميصه قُدّ من دُبُرٍ فكذبت هي فيما ادعت وهو من الصادقين في قوله ومراودتها له عن نفسه.
  فأتي بالقميص إلى الملك فنظر إليه فإذا هو مقدود من دبره، فقال: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ٢٨}[يوسف]، ثم بدا لهم من بعد ذلك فألقي في السجن، وكان في السجن رجلان من خدم الملك، فلما كان من إعلامه لهما بتأويل رؤياهما على الحقيقة بعينها، فلما رأى الملك رؤياه أتى أحد الرجلين إلى يوسف فقص عليه ذلك فأخبره بتأويله، فلما انتهى ذلك إلى الملك بعث إلى النسوة يسألهن عن خبره، فقالت امرأة العزيز: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا
(١) في (ب، هـ): فأرخيت الستر.
(٢) في (ب، هـ): وخلقكي.