[قصة داود عليه الصلاة والسلام]
  لأورياء هذه المرأة وحدها، فمثلا أنفسهما لداود بداود وأوريا، فقال أحدهما: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} ومعنى «أكفلنيها» فهو ابتعنيها وزدنيها إلى نعاجي، {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ٢٣} يقول: شطني(١) في الطلب وألح في تمنيها وطلبها، وذلك أنها لم تكن تسقط من نفس داود من يوم رآها يتذكرها ويتمناها فقال داود صلى الله عليه: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}[ص: ٢٤]، فلما قال هذا لهما تغيبا من بين عينيه، فإذا به لا يبصرهما ولا يراهما؛ فعلم عند ذلك الأمر كيف هو، وأنهما ملكان، وأن الله بعثهما إليه لينبهاه من غفلته، ويقطعا عنه بذلك ما في قلبه من كثرة تذكره امرأة صاحبه، فأيقن أنهما فتنة من الله، والفتنة هاهنا فهي المحنة.
  ومعنى {ظَنَّ دَاوُدُ} فهو: أيقن داود بذلك من الله، {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ٢٤} إليه من ذلك التمني والذكر لهذه المرأة، فلم يذكرها بعد ذلك اليوم حتى زوجه الله إياها حين أراد تبارك وتعالى من بعد أن اختار لأوريا الشهادة فاستشهد، وصارت إليه.
  فمن بعد ذلك زوج الله داود امرأة أوريا وبلغه أمله وأعطاه في ذلك أمنيته، فجاءه ذلك وليس في قلبه لها ذكر ولا إرادة ولا تمني.
  ولم يكن لداود صلى الله عليه في أوريا ولا قتله شيء مما يقول المبطلون من تقديمه في أول الحرب، ولا ما يذكرون من طلبه وتحيله في تلفه بوجه من الوجوه ولا معنى من المعاني، كذب العادلون بالله، وضل القائلون بالباطل في رسول الله ﷺ، فهذا تفسير الآية ومخرج معانيها.
(١) شطني في الأمر: أمعن وجاوز الحد. (معجم وسيط).