مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يلزم القائل بذهاب بعض القرآن]

صفحة 543 - الجزء 1

  الله لعباده، وما حرم عليهم، وما أمرهم به، وما نهاهم عن فعله، وما وكد من أحكامه فيهم، وما أوجب في كل الأسباب عليهم: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال].

  فإذا قال بذلك قيل له: ويحك ما أغفلك وأبين حيرتك وأظهر جهلك وأقل علمك بما تذكر من قولك، وتقول إن الكتب عندك على ما ذكرت وفسرت، وقد تعلم أن أعظم الكتب كتاب محمد # الذي جعله الله نوراً وهدىً وتبياناً ورحمة وشفاء، فرض فيه الفروض، فأصّل⁣(⁣١) فيه الأصول، وبين به حلاله وحرامه، وفي ذلك ما يقول عن أن يحويه قول أو يناله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]، ويقول سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً}⁣[النحل: ٨٩]، ثم أمر رسوله باتباعه والانقياد لما فيه، فقال: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}⁣[الأنعام: ١٠٦] - ثم تقول بعد: إنه قد ذهب بعضه ولم يبق [منه]⁣(⁣٢) إلا أقله، وهو دعائم الرحمن، وفيه ما يحتاج إليه من أمور الله في كل شأن، فإن كان ذلك عندك كذلك، فقد ذهبت أكثر فرائض الله سبحانه وعدمت حجته، فتركت وعطلت ورفضت، واستبدلت بنور الحق وبهجته حيرة الباطل وظلمته، فلا ذنب للعباد فيما جهلوا من الحق، وارتكبوا من الفساد، وتركوا من فرائض الله التي قد ذهبت مع ذهاب عامة كتابه؛ إذ هم عنها غافلون ولها جاهلون؛ إذ لم يجدوها ولم يطلعوا عليها ولم يعلموها.

[ما يلزم القائل بذهاب بعض القرآن]

  ومن قال بذهاب بعض القرآن دخل عليه بقوله الفساد في أمره ودينه، حتى لا تقوم له حجة ولا تثبت له بينة، وذلك أنه لو قال له قائل: أنت أيها المناظر تزعم أن القرآن قد ذهب منه بعضه، لا بل تقول: ذهب أكثره وأنت تعلم أن


(١) في (ب، هـ): وأصل.

(٢) (منه) في (أ، ب، هـ).