مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[بيان أن الله بريء من أفعال العباد]

صفحة 54 - الجزء 1

  فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}⁣[الأعراف]، ثم قال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨}⁣[الأنعام]، فأكذبهم الله في قولهم، ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم.

  وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات]، فذكر أنه خلقهم للعبادة لا للمعصية، وكذلك⁣(⁣١) نسب إليهم فعلهم حيث يقول: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢}⁣[القمر]، يقول: فعلوه، ولم يقل: فَعَلَه، بل نسبه إليهم؛ إذ هم فعَلُوه.

  وقال ø في فعله هو: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦]، يقول: هو خالق كل شيء يكون [منه⁣(⁣٢)]، ولم يقل: إنه خلق فعلهم بل قال: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}⁣[العنكبوت: ١٧]، يقول: تصنعون وتقولون إفكاً، كما قال: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا}⁣[النحل: ٦٧]، يقول: أنتم تجعلونه.

  وتبيين الكفر والإيمان من الله ø، وفعلهما من الآدميين، ولولا أنه ø بين لخلقه الكفر والإيمان ما إذاً عرفوا الحق من الباطل، ولا المعتدل من المائل، ولكن عرفهم بذلك، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~ في بعض مواعظه: (خلقنا ولم نك شيئاً، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنا الأقلام، وأزال عنا الآثام، فلم يكلفنا معرفة الحلال والحرام حتى إذا أكمل لنا العقول، وسهل لنا السبيل، نصب لنا العلَم والدليل، من سماء رفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها، فعرَّفنا الخير من الشر، والنفع من


(١) في (ب): وكذا.

(٢) غير موجودة في (ب).