مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب تفسير معاني السنة والرد على من زعم أنها من رسول الله ÷

صفحة 551 - الجزء 1

  وافتراق أقاويلها وفساد تأويلها وقلة ائتلافها، فوجدنا أمورها تدل على أنها ضيعت ما به أمرت، حتى صعب قيادها وكثر حيادها⁣(⁣١)، وقل فهمها وكثر تخليطها، وصار لكلها قول مقول، وعمل فادح معمول، ينفر منه القلب الجهول، فضلاً عن أهل المعرفة والعقول.

  كان من أنكر قولها وأعظم جهلها ما قالت به في الله سبحانه، فرمت⁣(⁣٢) به لجهلها رسوله، فزعمت لعظيم غفلتها وغامر رقدتها، أن دينها الذي به تعبدها ربها كتاب ناطق مضي، وسنة جاء بها من نفسه النبيء، شرعها من ذاته، وتخيرها للعباد بنظره، لم يأمر بها الرحمن، ولم تنزل عليه في آي القرآن، فزعمت بذلك من قولها، فلزمها في أصل مذهبها وحاق بها في جميع قولها أنها زعمت فيما ذكرت وقالت: إن الله وكل نبيه ÷ في الدين إلى نفسه، ولم يشرع له كل ما يحتاج إليه من فرضه، كأن لم يسمعوا الله سبحانه يقول فيما نزل على نبيه من القول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]، ويقول سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ٨٩}⁣[النحل]، وكأن لم يسمعوا قوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٥١}⁣[العنكبوت]، فأخبر سبحانه بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} أن فيما نزل من تبيانه ونوره وبرهانه كفاية لهم في كل ما افترض عليهم، ولو كان ترك شيئاً مما يحتاجون إليه لم ينزله على نبيه ÷ في القرآن وعلى لسان جبريل لم يقل: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} فدل بما شهد به من الكفاية لهم على أنه لم يكل نبيهم ÷ إلى استخراج شيء مما افترض عليهم وعليه، وأنه لم يترك شيئاً من فرائضه ولا شرائع دينه إلا وقد أوحى به إلى رسوله وحياً، ونزل عليه به نوراً وهدى، فلم يكف هذه الأمة ما نزل الله فيما ذكرنا من الحجة حتى


(١) الحياد: الميل، منه قوله تعالى: {ذلك ما كنت منه تحيد}. هامش (أ، د).

(٢) في (أ، ب): ورمت.