مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب تفسير معاني السنة والرد على من زعم أنها من رسول الله ÷

صفحة 552 - الجزء 1

  قالت: إن كل فرع مفرع مما فرعه رسول الله ÷ هو منه اختياراً وتمييزاً من نفسه، وإن ذلك ليس هو من ربه، من ذلك ما قال الله سبحانه في الصلاة الموجبة، والزكاة المفترضة، حين يقول: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فزعمت هذه الأمة فيما ذكرت وبه على الله سبحانه اجترأت، أو من قال بذلك منها - أنه لم يكن من الله ، وعظم عن كل شأن شأنه في الصلاة غير ما أمر به من إقامتها، وأنه لم يحد لنبيه ÷ شيئاً من حدودها، ولم يوقفه على ما به كمالها من ركوعها وسجودها وعدد ركعاتها، وأن رسول الله ÷ اخترع ذلك من نفسه وسنه لأمته، وجعله ديناً لها من ذاته، وأن شرائع الزكوات وما به تجب الزكوات في الأوقات المفروضات الموقتات، وما يؤخذ من الأموال الصامتة، والأنعام السائمة، والأطعمات، وما يجب في التجارات، من الأعشار وأنصافها، وما حدد في ذلك كله من الحدود المعروفة، وأوقف عليه في كل ذلك من الأفعال المفهومة، من رسول الله ÷ لا من الله، وأن ذلك شيء فعله برأيه، واختاره بتمييزه⁣(⁣١)، وفعله باجتهاده، وفرضه على أمته دون خالق المخلوقين وإله العالمين، وكذلك قالوا في جميع الفرائض المفروضة والفروع المتفرعة، فزعمت هذه الأمة أو من قال بذلك منها، أن ما كان في الكتاب ناطقاً موصولاً فهو من الله فرض مفترض، وما كان من تفريع الأصول وتمييز ما ميز ÷ من الفصول فإنه منه لا من الله، وأنه فعله لا فعل الله، ثم سموا ذلك الفرع سنة، وأخرجوا معنى السنة من الفريضة، وتوهموا أن ذلك كما قالوا، ولم يعلموا ما عليهم في ذلك حتى حكموا به وسموه كذلك، فلما عظم الأمر وجل الخطر، ورأينا الهلكة واقعة بهم والضلالة شاملة لهم، رأينا أن نفسر معنى قول القائل: سُنَّة، ونشرح ما السنة؟ وكيف كان تفريع رسول الله ÷ لما فرّع من


(١) في (ب): لتمييزه.