مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ذكر أن جبريل # أتى بتفصيل الصلاة والزكاة وغيرهما كما أتى بالقرآن]

صفحة 554 - الجزء 1

  جبريل، وجعل الفروع في غير الكتاب جاء بها أيضاً جبريل، فكل من الله وحي مبين، وتفصيل وفرض منه سبحانه وتنزيل، بعث بهما كليهما رسولاً واحداً، ملكاً عند الله مقرباً أميناً مؤتمناً، فأدى إلى الرسول # ما به أرسل إليه، وتلا عليه من ذلك ما أمر بتلاوته عليه، فكان ذلك من الله فرضاً مميزاً، وديناً من الله مفترضاً لم يكن لرسوله فيه اختيار، ولم يشرع لأمته من دين الله إلا ما شرع الله، ولم يأمرها إلا بما أمرها الله، ولم ينهها إلا عما نهاها الله.

[ذكر أن جبريل # أتى بتفصيل الصلاة والزكاة وغيرهما كما أتى بالقرآن]

  من ذلك ما قلنا به من قول الله: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فنزلت هاتان اللفظتان في القرآن موصولتين⁣(⁣١)، وجاءتا فيه مجملتين، فاحتملت الصلاة أن تصلى قليلاً أو كثيراً؛ إذ جاء ذلك مجملاً، ثم فسر الله ذلك على لسان جبريل كما نزل على لسانه القرآن الجليل، فجعل الله الظهر أربعاً، والعصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، والعتمة أربعاً، والصبح اثنتين، فبين لنبيه ÷ تفسير ما جاء في كتابه مجملاً من أمره بالصلاة جزماً، ولم يكله إلى أن يتكمه في ذلك تكمهاً، ولا أن يتخبط فيه ÷ تخبطاً.

  وكذلك لما أن قال سبحانه: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} احتمل أن تؤخذ من كل دينار ودرهم وشاة وجمل ومُدٍّ ومكوك⁣(⁣٢)، ومن الفقير والغني ومالك ألف شاة، ومستغل ألف مُدّ ومستغل مد، وصاحب ألف دينار وصاحب دينار؛ لأنه سبحانه يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}⁣[التوبة: ١٠٣]، ولم يفسر فيما أنزل من القرآن كم يأخذ من كل إنسان، مالك الحقير والقليل، ومالك الكثير والجليل، ثم فسر سبحانه على لسان الملك الذي نزل بالقرآن من عند


(١) في (أ، ب): موصلتين.

(٢) المكوك: مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل: يسع صاعاً ونصف. (معجم وسيط).