مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[من الاحتجاج على أن السنة بوحي الله]

صفحة 557 - الجزء 1

  فيقال له عند إتيانه بما ذكرنا وتبيينه⁣(⁣١) لما قلنا وشرحنا: أيها المناظر إذا كان عندك هذا القول على ما قلت، فمن أين علم محمد ÷ جميع ذلك حتى استخرج مكنون علم الله القديم، وشرائع دين الله الكريم، حتى أتى بها على ما كانت، وبينها على ما فرضت، وأقامها على ما حددت من قبل إيجاده وخلقه وكينونته وبعثته؟

  فإن قال: استخرجها رسول الله ÷ بعقله، واستدل عليها بلبه.

  قيل له: سبحان الله ما أجهل هذا المقال، وأفحش هذا الفعال! وكيف يستدل بعقل على علم غيب عند الله مكتوم، هذا ما لا يكون أبداً؛ إذ المخلوقون لا يعلمون غيباً ولا يفهمون مما استسر به سراً.

  وإن قال: علمه بتوفيق الله.

  قيل له: ليس هذا مما يلزمه التوفيق، ولا يجوز عليه فيه طرف من التحقيق؛ لما فيه من عظيم فروض الله وجليل صنع الله وأمره ونهيه وزجره وفعله، وما أوجب به وفيه وعليه من الثواب للمطيعين والعقاب على العاصين، وإنما يكون من الله التوفيق في غير المفروضات من الأمور، فأما شرائع الدين وما تعبد به المسلمين فلا يكون إلا بتبليغ الرسل، والاحتجاج بذلك على جميع الملل، فلا يجد بداً من الإقرار بالحق، والتعلق بعلائق الصدق، والرجوع إلى قول المؤمنين، أو أن يثبت على باطله من بعد إثبات الحجة عليه في مذهبه، فيكون عند نفسه وعند غيره مكابراً، وللحجج البالغة مناصباً، ولا يجوز له في دينه احتجاج ولا بيان، ولا يجد على الباطل بحمد الله عوناً ولا برهان.

  فإذا بان له خطأ هذين المعنيين، وفساد هذين الوجهين لم يجد بداً من أن يقول بقولنا، فيزعم أن جميع ذلك من الله سبحانه وحي أوحاه إلى نبيه على لسان ملكه


(١) في (ب): وتثبيته.