مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[من الاحتجاج على أن السنة بوحي الله]

صفحة 558 - الجزء 1

  كما أوحى القرآن على لسانه، ولعمري ما سبيل أصول الأحكام، وما تعبد الله به أمة محمد # إلا كفروعها ولا فروعها إلا كأصولها، وما أصولها وإن جاءت في الكتاب مجملة بأوكد فرضاً من فروعها المتفرعة، وما كان محمد ÷ إلى علم مجملها بأحوج منه إلى علم فروعها؛ لأن الفروع هي العمل، والعمل فهو الإيمان؛ لأن الإيمان كما قال أمير المؤمنين: (قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول)، والفروع فهي أصول الأعمال، وأصول الإيمان، وإذا كان ذلك كذلك فلا بد أن سبيلها عند الله كسبيل ما أجمل في القرآن لا تختلف معنى الفروع والأصول إلا عند من سُلِبَ العقول.

  ومن الحجة على ما به قلنا من أن الله سبحانه نزل الفروع على نبينا كما نزل الأصول في كتابنا قول الله سبحانه: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٢}⁣[الشورى]، فأخبره أنه لم يكن يدري ما هذا الكتاب المجمل، ولا هذه الفروع التي هي الإيمان المنزل، وفي ذلك ما يقول: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ٧}⁣[الضحى]، يريد تبارك وتعالى: ضالاً عن شرائع الدين، وفروع ما أجمل في القرآن المبين، فلم يكن ÷ يدري كم يصلي الظهر، ولا كم عدد العصر، ولا كم يأخذ من أموال الناس المسلمين من الزكاة، ولا كم فرض الله ø فيها، ولا متى تجب، ولا في كم تجب، بل كان ضالاً عن ذلك كله، وضلاله عنه فهو جهله به وقلة معرفته بما يريد الله أن يفترض عليه، فلم يكن # يعلم من ذلك إلا ما عُلِّم، ولم يفرض على الأمة إلا ما به أمر، ولم يكن من المتكلفين، [ولا من غير ما أمر به من المتكلفين]⁣(⁣١).

  ومن الحجة في ذلك: أنه لو كان كما يقول الجاهلون ويتكلم به الضالون من


(١) بدل ما بين المعقوفين في هامش (أ، د): ولا لغير ما أمر به من المتكلمين. ولعلها الصواب.