[الأصول التي يجب معرفتها ليكون القياس صحيحا]
  ويشرع له طريقه، ويصح له قياسه على الحق الذي في الكتاب، تشهد له بذلك شواهد القرآن، وتنطق له بالتصديق السنة في كل شأن، فيكون العالم في علمه واستخراجه بما يحتاجه إليه من حكمه من كتاب الله وسنته، على قدر ما يكون من صفاء ذهنه وجودة تمييزه واستحكام عقله، وإنصافه للبه، وجودة تمكن علم الأصول في قلبه، وثبات علم الكتاب والسنة في صدره، اللذين عليهما يقيس القائسون، وبهما يحتذي المحتذون، وإليهما يرجع الحاكمون، ومنهما يقتبس المقتبسون، وإليهما عند فوادح النوازل يلجأ العالمون.
  فإذا كملت معرفة العالم بأصول العلم المعلوم، وصحت معرفته بفهم غامض الشرائع المفهوم، فكان لعلمه به واستدراكه لغامضه، وجودة دراسته وإحاطته بباطنه وظاهره، قاهراً بحول الله وقوته(١) لما يرد عليه من متشابهه، عارفاً بما يحتاج إليه من قياسه، مضطلعاً بتمييز فروعه، بصيراً بتفريع أموره، فكلما ورد عليه من ذلك وارد أصدره باستدراكه له مصدره.
  فَصَعْبُ العلم على كل من كان كذلك سهل يسير، وغامضه عنده - والحمد لله - بين منير، لا يشتبه عليه فيه شبهان، ولا يستوي في الحكم عنده منه ضدان، يميز مميزاته بعقله، ويفرق مفترقاته بلبه، ويجمع مجتمعاته(٢) بفهمه، قد أحكمته في ذلك التجربة، وأعانته على ذلك الخبرة، فكلما ورد عليه فرع من الفروع رده إلى أصله، وكلما ورد عليه شيء من المتشابه بينه بالرد له إلى محكمه، لا يغيب عمن وهبه الله علم كتابه وفهَّمه معاني سنته موضع حاجته، ولا مكان فاقته من حلاله وحرامه، وما يرد عليه من مفترق القضاء عند ورود مزدحمات المسائل على قلبه، ومتراكمات النوازل على فهمه، فكلما ورد عليه من ذلك وارد فادح، أو قدح في قلبه منه عظيم قادح، اعتمد في فصله وقطع مشتبهات أمره على الأصول
(١) في (هـ): وقدرته.
(٢) في (أ، د): متجمعاته.