[الأصول التي يجب معرفتها ليكون القياس صحيحا]
  المحكمات في قلبه، والفروع المتفرعات في صدره من الكتاب والسنة، فأنار له بعون الله وفضله نور الحق وصِدْقِه، ووضح(١) له برهان الحكم وحقه، فقال في ذلك بقول أصيل، واستدل منه على الحق بأفضل دليل، فمثله - فيما يرد عليه من الفروع والفصول مما يحتاج إلى قياسه على الأصول - كمثل رجل اتخذ أرضاً فجعل في كل جانب منها نوعاً من أنواع الأشجار، ثم غذاها وسقاها، وقام عليها وذراها، حتى ثبتت أصولها، وتفرعت فروعها، وخرجت ثمارها، فهو بأماكن(٢) كل نوع منها عارف وفهم، عالم غير جاهل، فكلما سئل عن شجرة أو طلب منه من ثمارها ثمرة قصد لموضع تلك الشجرة، فأخذ ما يحتاج إليه من ثمرها فأسرع به إلى طالبها ولم يحتج لمعرفته بموضع حاجته إلى الدوران في جوانب أرضه، والتفتيش عن حاجة سائله، كما يعمل الجاهل بمواضع تلك الأشجار، وأماكن تلك الثمار.
  فالعالم في علمه وعند قياسه وحكمه، والمعرفة بما يرد عليه من شرائع دينه، كصاحب هذه الأرض المهتدي إلى ما يطلب منها، العالم بمواضع ثمارها، الخابر بنواحي أشجارها، فحال العالم في علم ما دارس من حكمه، وحَفِظَ وأحاط به من علمه، كحال معرفة صاحب هذه الأرض بأرضه، فاستدلال العالم واهتداؤه إلى قياس العلم والأحكام فيما يرد عليه من الحلال والحرام، كاستدلال صاحب الأرض إلى أشجارها(٣)، ومعرفته بما يبتغيه من ثمارها(٤)، لا فرق بينهما ولا اختلاف عند ذي عقل فيهما، بل اهتداء من هداه الله إلى علمه، واستدلال من دله الله على غوامض حكمه، أبين تبياناً، وأنور في العقل برهاناً من اهتداء صاحب
(١) في (ب، ج، هـ): وصح.
(٢) في (ب، هـ): بمكان. وكأنها الأصوب.
(٣) (في أ، ج، د): أشجاره.
(٤) في (أ، ج، د): ثماره.