مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[فيمن يجوز منه القياس ومن لا يجوز منه]

صفحة 576 - الجزء 1

  والحرام، وما جعل الله فيه من الأحكام، وبين تبارك وتعالى من شرائع الإسلام، التي جعلها الله سبحانه للدين قواماً، وللمسلمين إماماً.

  ومن بعد علم أصول السنة، وفهم فروعها المتفرعة، فإذا تمكن المتمكن في علمه، وأحاط بجوامع ما تحتاج إليه الأمة في دينها، ثم تفرع فيما لا غنى بالأمة عن معرفته في جميع أسبابها من حلالها وحرامها، وما جعله الله ديناً لها وافترضه سبحانه عليها، فإذا تفرع⁣(⁣١) في علوم الدين وأحاط بمعرفة ما افترض على المسلمين فكان بذلك كله عارفاً ومن الجهل لشيء⁣(⁣٢) منه سالماً، ثم كان مع ذلك ذا لب رصين، ودين ثابت متين - جاز له القياس في الدين، وأمكنه الحكم في ذلك وبه بين المؤمنين، وكان حقيقاً بالصواب، حرياً بإتقان الجواب.

  فأما إن كان في شيء مما ذكرنا ناقصاً أو عن بلوغه مقصراً؛ فلن يصح له أبداً قياسه، ولن يجوز له في دين الله التماسه؛ لأنه للأصول غير محكم، وبالفروع غير فهم، ولن يقيس المثال على مثاله، أو يحذو الشكل على شكله إلا العارف بمحكمات أصله، فإذا أحكم أصله قاس بذلك فرعه.

  ومثل ما به قلنا من تصرف الحالات في أهل القياس والمقالات، كمثل أهل الصناعات [من الأبنية والصاغات]⁣(⁣٣)، فإذا كان منهم صانع محكم لعمله محيط بأصل صناعته، عارف بابتدائها وانتهائها⁣(⁣٤)، عالم بتأليفها وإحكامها، ثم ورد عليه مثال يمثله، أو شيء يحتذيه ويصنعه، احتذى فيما تصور من مثاله بما عنده من محكم أعماله، وأتى به على قياسه، لمعرفته بأصل قياسه، وإحكامه لما قد أحكم من أعماله، فعلى قدر تفرعه في البصر بأصول الصناعات، وتمكنه في


(١) في (ج، هـ): تفرغ.

(٢) في (ج، هـ): بشيء.

(٣) ما بين المعقوفين غير موجود في (هـ).

(٤) بدلها في (أ، ج، د): وآلاتها.