مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الحث على إجابة الدعوة]

صفحة 604 - الجزء 1

  مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧}⁣[المؤمنون]، فيقول لهم الجبار: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ١٠٨}⁣[المؤمنون]، فيطلبون حينئذ الرجوع إلى ما كانوا فيه من الفناء، ويتمنون الموت والبلى ويقولون: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ٧٧}⁣[الزخرف]، فحينئذ تقطع قلوبهم حسرات، وتراكم عليهم الغموم والندامات، على ما فرطوا فيه من العمل بما أمرهم الله به، والقيام بأكبر فرائضه، من الجهاد في سبيله، والمعاداة لأعدائه، والموالاة لأوليائه.

  فليعلم كل عالم أو جاهل، أو من دعي إلى الحق والجهاد فتوانى وتشاغل، وكره السيف والتعب، وتأول على الله التأويلات، وبسط لنفسه الأمل، وكره السيف والقتال، والملاقاة للحتوف والرجال، وآثر هواه على طاعة مولاه، فهو عند اللطيف الخبير العالم بسرائر الضمير من أشر الأشرار، وأخسر الخاسرين.

  إن صلاته وصيامه وحجه وقيامه [عند الله]⁣(⁣١) بور لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً، ولا صغيراً ولا كبيراً، وإنه ممن قال سبحانه فيه حين يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ٢ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ٣ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ٤}⁣[الغاشية].

  وكيف يجوز له الإقبال على صغائر الأمور من الصالحات وهو رافض لأعظم الفرائض الزاكيات؟! وكيف لا يكون الجهاد أعظم فرائض الرحمن وهو عام غير خاص لجميع المسلمين؟! وعملُ من عمل به شامل لنفسه ولغيره من المؤمنين؟! لأن الجهاد عز لأولياء الله مخيف لأعداء الله، مشبع للجياع، كاس للعراة النياع⁣(⁣٢)، ناف للفقر عن الأمة، مصلح لجميع الرعية، به يقوم الحق ويموت الفسق، ويرضى الرحمن، ويسخط الشيطان، وتظهر الخيرات، وتموت الفاحشات.

  والمصلي فإنما صلاته وصيامه لنفسه، وليس من أفعاله شيء لغيره، وكذلك كل فاعل خير فعله لنفسه لا لسواه، فأين بالجهلة العمين والعلماء المتعامين؟!


(١) ما بين المعقوفين سقط من (هـ).

(٢) النائع: العطشان. النائع: المتمايل جوعاً. النائع: إتباع لجائع، يقال: جائع نائع. (معجم وسيط).