[الحث على إجابة الدعوة]
  طريقهم، لا يقدرون على نفيهم وإبعادهم، ولا ينالون ما يشتهون من إذلالهم، بل هم الأذلاء الأقلاء، الفساق الضعفة.
  [أشداء على الرعية والمساكين، أذلاء من الأقوياء والمحاربين](١)، يخيفون ويأكلون مَن تحت أيديهم، ويدارون من نابذهم وتسلط عليهم، قد انهدم عزهم، وانحرقت مهابتهم، وفتكت بهم كلابهم، وقهرهم أشرارهم، وحكم عليهم عبدانهم، وقلت وانتفت من أيديهم الأموال، وتفرقت عساكرهم والرجال؛ زهداً من الرجال فيهم، ورغبة في خير من يجزل عليهم.
  قد مال عمود ملكهم، وانهدم باب عزهم، وتغير أساس أمرهم، وأعطت خلافتهم صاغرة قيادها، وزمت(٢) إلى من قادها بزمامها، وألقت إليه بسمعها وطاعتها، وذل لطالبها صعبها، ولان لراكبها مركبها، وذل له بعد الصعوبة ظهرها، وبرزت له من بعد شدة حجابها، واستقامت له وأضرعت لدنو نتاجها، ودرت لحالبها بدرة تسر الحالبين، وتنهل الشاربين، ويَعُلُّ(٣) فيها العالُّون، وينتعش ويشبع في أفوقتها(٤) الجايعون، فهي حافل تسحب رجليها مما تدر، ولكن لا حالب لدرتها، ولا منتهز لفرصتها؛ لقلة المحقين وذهاب المؤمنين، وذلة المسلمين، وركون هذا الخلق إلى الفسق، وتركهم لاتباع دعوة الحق، وتعلقهم بالفاني من أمر الدنيا، وزهدهم فيما يدوم من الآخرة ويبقى، كأن لم يسمعوا الله سبحانه يقول: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ٥٧}[العنكبوت]، وكأن لم يسمعوا ما أخبرهم به عنهم من عاقبة أمرهم، وقوله لهم في يوم حشرهم حين يقول: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
(١) في (أ، ب، هـ): أشد على الرعية والمساكين إذلالاً من الأقوياء والمحاربين.
(٢) في (ب): ورمت.
(٣) علَّ علاً وعللا: شرب ثانية أو تباعاً. معجم وسيط.
(٤) الفواق: الوقت بين الحلبتين. (معجم وسيط).