[جواب مسألة الاستعانة بشيء من مال الرعية]
  رشده لكل ذي لب وعلم، ويتبين صدقه لكل ذي تمييز [وفهم](١):
  ما يقول من أنكر علينا ذلك في نفسه لو كان في قرية من قرى المسلمين، وكان أمره فيها نافذاً جارياً، وحكمه وقوله فيهم جائزاً ماضياً، ثم دلف(٢) إليها طاغية من طواغي المشركين، أو طاغوت من طواغيت الباغين؛ ليقتل رجالها، ويسبي نساءها، ويأخذ أموالها، ويخرب ديارها، فوجد هذا الإنسان الرئيس عليها النافذ أمره فيها أعواناً يدفع بهم عن القرية ما قد غشاها، ويزيح عنها من الهلكة ما [قد](٣) أتاها - أكان الواجب عليه في حكم الله وفيما يجب للمسلم على المسلم أن يأخذ من أموالهم طرفاً يقوت به هؤلاء الذين يدفعون عنهم، حتى يسلموا من الهلكة، أم(٤) يخليهم حتى يهلكوا ويستباحوا ويقتلوا؟
  فإن قال قائل: بل يخليهم فيقتلوا قبل أن يأخذ منهم يسيراً يحييهم(٥) به - فقد أساء في القول، وجار في الحكم، وخالف الحق؛ لأن الله سبحانه يقول في كتابه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢]، ومن فعل ذلك فقد أعان على الإثم والعدوان، وترك المعونة على البر والتقوى.
  وإن قال: بل الواجب علي أن آخذ منهم ما أدفع به عنهم أحبوا أم كرهوا، وأقيم فرض الله علي فيما يلزم للمسلم على المسلم، ولا أنظر إلى قولهم إذا أبوا النظر لأنفسهم، واستدعوا الهلكة إليها؛ إذ كنت مقلداً لأمرهم بنفاذ حكمي عليهم - فقد أصاب في قوله واحتذى وسلك الطريقة المثلى، فهذه حجة أخرى.
  ومن الحجة في ذلك على من أنكره وقال بغيره ورفضه: أن يقال [له](٦):
(١) (وفهم) سقط من (هـ).
(٢) دلف إليه: أقبل عليه. (معجم وسيط).
(٣) (قد) في (ب، هـ).
(٤) في (ب، هـ): أو.
(٥) في (ب، هـ): يحميهم.
(٦) (له) سقط من (أ، د).