مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب مسألة هل تجوز الزكاة لآل رسول الله ÷]

صفحة 624 - الجزء 1

  ثم أقول: والذي نفس يحيى بن الحسين بيده لو اضطررت إلى أن آكل جفنة مملوءة خبزاً ولحماً من العشر وأنا له مستحل مستبيح لم أشتره بثمني ولم أدفع فيه نقدي، أو أن آكل من الميتة ما يمسك نفسي، ويدفع عن هلكتي - لأكلت من الميتة قبل أن آكل من لحم العشر وخبزه؛ لأن الله سبحانه قد أطلق لي أكل الميتة عند الضرورة وخوف الهلكة، ولم يطلق لي استباحة العشر ولا استحلاله في حالة ما.

  فأما إذا اشتريت العشر شراء صحيحاً ثابتاً، ودفعت فيه مالي ونقدي - حل لي وطاب أكله بشرائي له، كما يحل لي مال اليتيم إذا اشتريته ومال المسلم إذا ابتعته.

  فافهم هذه الحال⁣(⁣١) التي تجوز فيها الأعشار لآل رسول الله ÷ والحالة التي لا يجوز لهم أكلها ولا الانتفاع بشيء منها.

  وقد يجوز له بحالة أخرى وهو أن يأخذ منها بعض أهلها المستحقين لها من سائر المسلمين شيئاً، فيهدون بعضه إلى آل رسول الله ÷، ويدعونهم إلى طعام من أعشار الصدقة فيجيبونهم، فيجوز لهم أكله إذا أجازه لهم أهله، فيكون أخذ المسلمين له باستحقاق ووجوب، ويكون قبول آل رسول الله ÷ له منهم إن أهدوه إليهم قبولاً لهدية إخوانهم المسلمين، مما أطعمهم إياه وأجازه لهم رب العالمين، فقد حل لهم لهذا المعنى وفي هذا الوجه حين خرج من معنى الصدقة، وصار من أخيهم المسلم الذي قد ملكه إليهم هدية، وفي ذلك ما يروى عن النبي ÷ أنه دخل على عائشة⁣(⁣٢) فوجد عندها تمراً فقال: «من أين لكم هذا؟» فقالت: يا رسول الله صدقة تصدق بها على بريرة⁣(⁣٣)، فقال: «هو


(١) في (ب، هـ): الخلة.

(٢) عائشة بنت أبي بكر، أم المؤمنين؛ عقد بها رسول الله ÷ بمكة، وبنى بها بالمدينة، وهي بنت تسع سنين، وتوفي الرسول ÷ وهي في ثمان عشرة سنة؛ وفيها ورد: «أيتكن تنبحها كلاب الحوأب» بمهملة؛ وفي رواية «إياك أن تكونيها يا حميراء»، فلما بلغته، سألت عنه؛ فقيل: الجوأب بالجيم؛ وكانت أول كذبة في الإسلام.

(٣) بَرِيْرَة - بمهملتين بينهما تحتية - اشترتها عائشة، وشرط أهلها ولاءها، فقال النبي ÷: «الولاء لمن أعتق»، وثبتت فيها سنن كثيرة.