مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب مسألة: بم تثبت الإمامة في الإمام من آل الرسول]

صفحة 629 - الجزء 1

  في بلاد رعيتنا، ومواضع ضعفتنا، ألا ترى أنا لو قسمنا هذه الزكاة على أهلها في وقت الحاجة حاجة الإسلام والمجاهدين إليها، ونزول الخصاصة بالمدافعين عن أهلها، فافترقوا عنا، وانتزحوا من قربنا فوقع الضعف على الإسلام والمسلمين بما وقع من الخصاصة بالمجاهدين، وقوي بذلك أهل الضلال من المضلين، ففسد أمر الرعية، واختلفت أحوال البرية، ووقع الضياع عليهم، وكثر الجياع، واختلفت أمورهم، وساءت أحوالهم، وشح بالمعروف أغنياؤهم، فهلك لذلك فقراؤهم، وخافت سبلهم وخربت أموالهم، وظهرت⁣(⁣١) عليهم أعداؤهم.

  وإن نحن رددنا زكاة الأمصار على المجاهدين والأنصار دون أهلها من هذه الأصناف المذكورة، ووقت ما ينزل بالمجاهدين الحاجة والضرورة، قوي الحق، وضعف الفسق، وعاش في الدار المستضعفون، وجاد بالمعروف الأغنياء، واستغنى في دار معروفهم الفقراء، وأمنت سبلهم، وحسنت حالهم، وزال ضرهم، فهذا والمثل الذي ضربناه أولاً سيان، في القول والمعنى اثنان، والحمد لله على الخلق والاستواء.

  فأفكِر فيما ذكرت لك بلبك، وانظر فيه إذا نظرت بخالص مركب عقلك، يبن لك في ذلك الصواب، ويزول عنك فيه الشك والارتياب.

[جواب مسألة: بم تثبت الإمامة في الإمام من آل الرسول]

  وسألت عن إثبات الإمامة في الإمام من آل رسول الله ÷ فقلت: بم تثبت له؟ أبعقد الناس وإجماعهم عليه؟ أم برواية رويت عن الرسول فيه؟ أم بغير ذلك؟

  واعلم هداك الله أن⁣(⁣٢) الإمامة لا تثبت بإجماع الأمة، ولا بعقد برية، ولا برواية مروية، ولكن تثبت لصاحبها بتثبيت الله لها فيه، وبعقدها في رقاب من أوجبها عليه من جميع خلقه وأهل دينه وحقه، وذلك قوله سبحانه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}⁣[النساء: ٥٩]، وأولو الأمر الذين أمروا


(١) في (أ، ب، هـ): وظهر.

(٢) في (ب، هـ): بأن.