جواب مسألة لرجل من أهل قم
  والعقلاء فهم الموقفون للحساب، الخائفون لأليم العقاب، والكائن منهم ما ذكر الله سبحانه حين يقول: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: ١٠٦]، وهو يوم تخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً، فتبيض(١) فيه وجوه من جاء بصالح الأعمال، وتسود(٢) وجوه من جاء بسيء الأفعال، يكون حال من سلب لبه فيه كحال الأطفال، آمناً إذ ذلك من هائل الأهوال، لا يسألهم الواحد العدل المنان عما منهم في دنياهم كان، فتبارك [الله](٣) العادل بين خلقه الرحمن.
  وفيما نقله الثقات من ذوي العقول ثقة عن ثقة عن الرسول # أنه قال: «لما أن خلق الله العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، بك أعطي وبك آخذ»، فقوله: «بك آخذ وبك أعطي» دليل على أنه لا يثاب على فعل فعله ولا يعاقب على جرم اجترمه إلا من ركب فيه لب حاضر ورأي صادر، وفي قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ٩}[الزمر]، أكبر الدليل على أنه لا يكون تذكرة ولا تفكرة تعود إلى معرفة وبيان، وحسن نظر وإتقان، إلا بلب يتفرع منه التذكرة والمعرفة في الإنسان، فتبارك من عِلْم خفيات ضمائر القلوب عنده كالإعلان.
  فإن قيل لك: أبن لنا ما معنى تفرعها من العقل؟ وكيف تتفرع؟ وما معنى قولك: يستعمل العقل؟ وكيف يستعمل؟ ومثل ذلك لنا بمثل تقبله عقولنا، وتفهمه أنفسنا.
  فقل: مثل العقل في الآدمي كمثل الاستطاعة فيه، فالاستطاعة(٤) هي سلامة أدواته، فإذا استعملت الأدوات فيما تصلح له تفرعت أفعاله منها، كمثل ما
(١) في (أ، ب، د): فتبياض.
(٢) في (أ، ب، د، هـ): وتسواد.
(٣) (الله) في (ب، هـ).
(٤) في (ب، هـ): والاستطاعة.