جواب مسألة لرجل من أهل قم
  منه في حال كينونته ويأتي متيقظاً واحداً من أفعاله في عزوب لبه ما فعل ذلك أبداً، بل لعله يود أنه كان ميتاً فانياً، مفقوداً نائياً، ولا تبين منه الأشياء الفواضح، والأفعال الطوالح، ففي أقل ما ذكرنا دليل على أن المعرفة لا تثبت ولا تكون إلا بالعقل ومن العقل.
  فإن احتج فقال: قد نرى البهائم - التي نعلم نحن وأنت أنها عدمت العقول - تعرف أولادها وأمهاتها وتعرف طعامها وشرابها من غيره، وتعرف ما يضرها مما ينفعها فتعتزل المضار وتتبع المنافع.
  قيل له: إنما كلامنا في المثابين والمعاقبين، من الجنة والآدميين من المأمورين والمنهيين الذين ينالون الطاعة والمعصية بما ركب فيهم من الاستطاعة، فيكونون متخيرين لأحدهما يثابون على طاعة إن كانت منهم، ويعاقبون على معصية إن جاءوا بها، ولا يكون تخير الواحد من الأمرين إلا من ذي لب واضح وعقل راجح.
  فأما البهائم فإنها غير مأمورة ولا منهية، و لامثابة ولا معاقبة، وإنما عدمت الثواب والعقاب بما سُلبته من الألباب، وأما ما يكون منها من شيء فعلى غير معرفة ثابتة ولا تمييز، وإنما يكون ما يكون منها من معرفة الذكر للأنثى، ومعرفتها لأربابها، ومعرفة الذكر بما يكون لاقحاً من الإناث فهو أعرف وأكثر(١) من معرفة الطعام والشراب والأمهات والأولاد، فإنه منها على الإلهام وإنهن لملهمات لذلك إلهاماً، كما يلهم الطفل في صغره معرفة الثدي وطلبه له، وبكاه وسكوته وحزنه وسروره وكل ما كان من الطفل بغير تمييز ولا عرفان، وإنما هو طبع وإلهام، حتى إذا كمل من عقله ما يحوز به التمييز من الأشياء ميز حينئذ فاختار، فأخذ وترك، وعرف ما ينفعه مما يضره، فاجتنب ما يضره،
(١) في (هـ): وأكبر.