[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]
  هذه الفرائض(١) على قياس ذلك [سواء](٢)، فاستوت المفروضات عليهم، والحجة التي ينالون أداءها بها فيهم، فساوى الله سبحانه بينهم في إثبات الحجة عليهم، وإكمال البراهين فيهم، وإيجاد(٣) السبيل لكلهم إلى أداء فرضه وبلوغ طاعته، فكان ما أُعطوا من أصل حجة العقل في ذلك بينهم سواء، كما كان الفرض عليهم كلهم سواء.
  ثم فضل الله تبارك وتعالى من يشاء(٤) بعد المساواة بينهم، والاكتفاء بما شاء بعد ذلك من الأشياء، فلم يكن لعباد الله حجة على الله، كما لم يكن لهم حجة فيما خلق وجعل، وفطر من الأشياء وفعل، من جعله لبعضهم أهل جمال وهيئة، وجَلَدَ وهيبة، وجعل بعضهم أهل لطافة ودمامة(٥)، وأهل قلة وسماحة، فمن تكلم فيما فضل الله به بعض الخلق على بعض في زيادات العقل، وجب عليه أن يجيب فيما فضل الله به بعضهم على بعض فيما ذكرنا من زيادة الخلق، في حسن الألوان، وعظم الأبدان، والكمال والبيان - لا يجد من ذلك بداً؛ لأن المعنى فيهما(٦) واحد مؤتلف متساو غير مختلف.
  وليس في ذلك للخلق على الله حجة، ولا يلحق به سبحانه لمتعنت تجوير ولا ظلم، ولا يثبت به عليه حيف ولا غشم؛ لأنه حكيم يمضي ما كان فيه الحكمة على(٧) كره من كرهه، وإرادة من أراده(٨)؛ لأن الحكمة هي رأس الحق وأصله،
(١) في (هـ): الفروض.
(٢) (سواء) سقط من (ب، هـ).
(٣) في (ب، هـ): واتخاذ.
(٤) في (ب): شاء.
(٥) في (ب، د، هـ): وذمامة.
(٦) في (ج): فيهم.
(٧) في (ب، هـ): وعلى.
(٨) في (أ، ج): أراد.