مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]

صفحة 649 - الجزء 1

  والحق فلا⁣(⁣١) يتبع أهواء العباد، ولو اتبعه لفسدت البلاد والعباد، كما قال ذو العزة والأياد حين يقول: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}⁣[المؤمنون: ٧١].

  فإن قال قائل: وما في التفاوت بين خلقه في الخلق والأجسام والألوان من الحكمة؟

  قيل له: في ذلك أحكم الحكمة؛ لما فيه من الدليل على صانعه، والشهادة على جاعله، والنطق بوحدانية فاعله، وحكمة مدبره؛ لأنه لما أن تصرفت خِلَقُهم، واختلفت ألوانهم، وتباينت صورهم، دل ذلك من حالهم على جاعلهم، وشهدت بذلك حالهم على وحدانية فاعلهم، وبعده من شبههم، واقتداره على فطرهم، ونفاذ إرادته في تأليفهم⁣(⁣٢)، فصح⁣(⁣٣) له بذلك عند خلقه القدرة، وثبتت له الواحدنية، وصحت له دون غيره الربوبية.

  فهذا باب الحكمة، وتفسيرها وشرح أمرها وتثبيتها⁣(⁣٤) في ظهور ما أظهر الحكيم من خلقه، وتفضيل من فضل في الألوان والأجسام، وما له كانت الأمور من الله سبحانه كذلك، وأتى⁣(⁣٥) تدبيره على ذلك، وفي ذلك من قولنا وما يشهد لنا عليه كتاب ربنا ما يقول الرحمن فيما نزل من النور والبرهان: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ٢٢}⁣[الروم].

  فافهم ما به قلنا من تسوية الله سبحانه بين عباده، فيما أعطاهم من أصول


(١) في (ب، هـ): لا.

(٢) في هامش (أ، د) قف على أن دلالة كونه تعالى صانعاً مختاراً يكفي في الدلالة على القدرة، وغيرها من صفاته تعالى كما هو مذهب قدماء أئمتنا $.

(٣) في (ج): فصحت.

(٤) في (ب، ج، هـ): وتبيينها.

(٥) في (ب، هـ): (أتى) بدون واو.