[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]
  حججه المركبة في صدورهم، كما ساوى بينهم فيما ألزمهم من أداء فرضه، وما قلنا به في الزيادة من الله سبحانه في ذلك لمن شاء من خلقه.
  وإن كنت تريد بقولك: هل كان عقل رسول الله ÷ مثل عقل أبي جهل - أنه مثله في المساواة والموازنة والكمال والاستواء، ومواد زيادات الله [له](١) في الهدى والعطاء، والتفضيل في كل الأشياء، والزيادة في الفهم، وجودة التمييز؛ فلا، ولا كرامة لأبي جهل! لا يكون عقله في ذلك كعقل رسول الله ÷؛ لأن مع رسول الله ÷ من الزيادات والتفضيلات، والخصائص والكرامات والتوفيق والتسديد، ما لا يكون مع أحد، وذلك لكرامة الله لنبيئه، واستحقاق نبيه لذلك من الله بفعله ÷؛ فلما أن فعل ما ارتضاه الله منه من إخلاص النية وجودة البصيرة، استحق من الله الزيادة.
  فكانت زيادات الله وعطاؤه لنبيه على صنفين: فصنف ابتدأه بما ابتدأ لما قد علم من رسوله ÷ من الاستواء، وأحاط به علمه قبل خلقه للدنيا من إيثار محمد ÷ على غيره، وإخلاصه له في جميع أموره، وأنه يكون على الاستواء وعلى الغاية في الانتهاء؛ اختياراً منه لذلك، وأثرة منه لربه عن غير جبر من الله له، ولا إدخال(٢) له قسراً في طاعته، بل يكون ذلك منه اختياراً، وأثرة لله لا اضطراراً.
  فلما علم الله منه ذلك، وأنه يكون في جميع الأمور كذلك، ابتدأه بالكرامة على ما قد علم من غاية فعله، وصيرورة أمره، وابتدأه بما هو أهله، عن غير عمل كان منه لربه، ولا جبر من ربه على شيء تقدم من فعله، بل على ما قد علم من صيرورة أمره، وما علمه مما سيكون من اجتهاده في طاعة ربه، وتقديمه لإرادته على إرادة نفسه.
(١) (له) سقط من (ج).
(٢) في (ج): إدخاله.