[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]
  والصنف الثاني: فزيادات من الله لنبيه على جزاء فعله، وما ظهر من نصيحته وبان من اجتهاده في التثبت لباب اهتدائه، فزاده الله من بعد فعله لذلك تثبيتاً وهدىً، وزيادة التقوى، كما قال [الله](١) سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}[محمد]، فكان اهتداء رسول الله ÷ أعظم الاهتداء، وتقواه أكبر التقوى، فكانت زيادة الله له أعظم من كل زيادة، وهدايته له أكبر من كل هداية، فكانت هذه زيادة من الله على طريق المجازاة للنبي على فعله، وكانت الزيادة الأولة(٢) منه على ما قد علم من صيرورة أمره.
  فاجتمعت لرسول الله ÷ ثلاث خصال: ابتداء الله لإعطائه ما أعطاه من حجة العقل التي ساوى بين العباد فيها في الابتداء؛ لتقوم له بذلك عليهم الحجة في بلوغ أداء فرائضه، واستدراك معرفته، والإقرار بوحدانيته.
  وكرامة الله له وزيادته في ابتدائه بما ابتدأه به على قدر علمه؛ لصيرورة أمره، واجتهاده في طاعة ربه، واقتدائه فيما أمر بالاقتداء به(٣)، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}[محمد].
  فكملت له ÷ هذه الثلاث الخصال، واجتمعت والتأمت وتمت(٤) مع غيرها من توفيق الله لنبيه ÷ وتسديده وتأييده ومعونته، فعاد ذلك كله زيادات في عقله، وصار له حبيباً في كل أمره.
  فكيف يلحق به أبو جهل اللعين، أو يشابهه أو يساويه في شيء من عطاء رب العالمين؟ وأبو جهل فلم يستحق من الله تعالى زيادة في شيء من أمره، لا بنية صالحة نواها، ولا بطاعة لله من ذلك أتاها، فيستحق على نيته ابتداء، وعلى ما
(١) (الله) غير موجود في (ب، ج، هـ).
(٢) في (ب): الأولى.
(٣) والثالثة: هي - التي سبقت - جزاءً على فعله وما ظهر من نصيحته. (من هامش د).
(٤) في (ج): وكملت.