مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]

صفحة 652 - الجزء 1

  ظهر من عمله بالصالحات جزاءً، فلم يكن معه - عليه لعنة الله - غير ما كان من ابتداء حجة الله المركبة في صدره، المجعولة في قلبه؛ لتكمل بها عليه الحجة، فترك استعمالها، ورفض النصفة لها، فصار بذلك ظالماً لما في صدره من حجج الله، فاستوجب لمكابرته لحجج الله عذاب الله وسخطه وخذلانه ولعنته، فكابر أبو جهل ما زرع في قلبه، ورفض ما أمر به من أمر ربه، فاستأهل من الله جزاء سيئ فعله، وحاق به كسب عمله، وصار في الضلالة متحيراً، وفي اللعنة من الله متصيراً، بما كان له من حجج الله في صدره مكابراً.

  فلن تستوي حال من كان عند الله مرضياً مهتدياً، وكان له ولياً موالياً، وحال من كان مسخوطاً عند الله مخيباً⁣(⁣١)، وله سبحانه عدواً معادياً في كل حال من الحال، وفي كل قول وفعال، لا يستوي ولي الله وعدو الله عند الله في حالة، ولا تتقارب منهما عنده منزلة، لا في ثواب ولا في عطاء، ولا في زيادة ولا في هدى.

  حال أولياء الله عند الله حال الكرامة والثواب، وحال أعداء الله عند الله حال الخذلان والعقاب، فالحمد لله الذي ميز بين خلقه، وصدقهم في ذلك ما أوجب لهم من وعيده ووعده.

  فإن قال قائل: كيف يكون الابتداء من الله على غير عمل ولا جزاء؟

  قيل له: كذلك الله يفعل ما يشاء، ويعطي من يشاء على ما يعلم منهم من الاهتداء.

  فإن قال: أليس بكمال العقل وتمامه تنال فرائض الله، وتبلغ إرادة الله في قولكم؛ إذ كان قد فضل بعضاً على بعض في الزيادات في العقل الذي ينال به كل فعل ثم كلفهم كلهم - بعد أن فضل منهم بالزيادة في العقل من فضل - فرضاً واحداً، وألزمهم شرائع سواء، لم يرض من أحد منهم بترك خصلة واحدة من


(١) في (أ، د): مجنباً.