مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]

صفحة 653 - الجزء 1

  ذلك، ولم يوجب على المفضل بالعقل في الفرض زيادة ركعة واحدة من ذلك، ولا صيام يوم واحد، ولم ينقص عن المنقوص في⁣(⁣١) عقله من⁣(⁣٢) ذلك الفرض قليلاً ولا كثيراً، فأين النصفة والعدل مع ما ترون من الفعل؟

  قيل له: إنك جهلت المعنى، فأتى قولك على غير الاستواء، إن الله تبارك وتعالى قد عدل بين خلقه، وساوى بين عباده، فأعطاهم كلهم من حجج العقل ما بأقل قليله ينالون أداء فرضهم وتمييز أمورهم، والاستدلال على خالقهم، فساوى بينهم فيما يستدركون به معرفة أمره، ويستدلون به على التمييز بين أموره، ويقفون به على معرفته، فلم يوجب على أحد أمراً ولا نهياً، ولم يجعله عنده على شيء معاقباً إلا وقد أعطاه من حجة العقل ما ينال به ما ينال غيره، ممن زاده الله بسطة وآتاه كرامة.

  فلما أن ساوى بين خلقه في مستدركات حججه، وبالغات معرفة أداء فرضه، زاد من شاء من فضله، وأعطاه ما شاء من كرامته، من بعد أن قطع عنه حجة غيره بما ركب في صدره من مؤكدات حججه، التي بأقل قليلهن وأصغر صغيرهن يستدرك أكثر مما افترض عليه، وينال فوق ما ألزم، وجعل فيه فرضاً لازماً موكداً، وأمراً واجباً مشدداً، فزالت عن الله لهم الحجة، وسقطت عنه سبحانه معاني المظلمة، وثبت⁣(⁣٣) له بذلك معاني الحكمة، وصحت له النصفة، وبان عدله في خلقه، بما ساوى بينهم فيه من حجته.

  فإن قال قائل: بين لي قولك، واشرح لي لفظك بحجة يقف عليها عقلي، وتكون ظاهرة في صدري؟

  قيل له: مثل زيادة الله لمن شاء من فضله، وتفضيله لمن شاء من عباده على


(١) في (ب، هـ): من.

(٢) في (ب، هـ): في.

(٣) في (أ، د): (وثبتت) ولعلها الصواب.