مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]

صفحة 654 - الجزء 1

  من قد أعطاه أكثر من حاجته، وثبت في صدره من وافر حجته، ما بأقل قليله يؤدي إليه ما ألزمه من فرضه، مثل رجل له غلامان، فدفع إلى أحدهما شمعة كبيرة متوقدة، ودفع إلى الآخر شمعتين ثم قال لهما: يحرق كل واحد منكما بيتاً من حشيش بما معه من النار.

  فإن قال صاحب الشمعة: أعطيتني شمعة واحدة، وأعطيت صاحبي شمعتين، ثم ساويت بيننا في إحراق الحشيش، فقد ظلمتني في ذلك وجُرْتَ علي أن⁣(⁣١) كلفتني مثل ما كلفت صاحبي وقد زدته شمعة على شمعتي.

  هل ترى أيها السائل هذا القائل صاحب الشمعة الواحدة صادقاً في قوله؟ أو مصيباً في لفظه؟ أو ترى له حجة على سيده وقد أعطاه من النار ما بأقل قليله يحرق بيوتاً كثيرة؟

  فإن قال: قد كان العبد في ذلك مصيباً وبالحق محتجاً، والسيد له ظالم، وفي تكليفه له غاشم، حين كلفه من الإحراق مثل ما كلف صاحبه، وقد أعطى صاحبه شمعتين، وأعطاه شمعة واحدة، كان في قوله ذلك محيلاً، وعن الصواب عادلاً، ولم يقل من ذلك حقاً؛ لأن قليل النار يأتي من⁣(⁣٢) إحراق الحشيش على ما يأتي [عليه]⁣(⁣٣) كثيرها، ويتفرع منها من الالتهاب عند احتراق الحشيش ما لا يكون لصاحب ثنتين ولا ثلاث ولا أربع فضل في عمله على صاحب [الشمعة]⁣(⁣٤) الواحدة وفعله، وكل ينال بما أعطي، أكثر مما كلف وأعطي.

  فإن قال: لا أرى لصاحب الشمعة الواحدة على سيده حجة في دفعه إلى صاحبه شمعتين؛ لأن المكلف به الذي كلفهما إياه ينال بأقل من واحدة.

  فلذلك قلنا: إنه لا حجة لصاحب الواحدة على سيده، وصاحب الواحدة


(١) في (ب، هـ): إذ.

(٢) في (أ): في.

(٣) زيادة من (ب، هـ).

(٤) زيادة من (ب، هـ).