مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستوي فيه المكلفون من العقل، والتفضيل فيه وأسبابه]

صفحة 655 - الجزء 1

  ظالم لسيده غير محتج بحق على مالكه؛ لأنه قد ساوى بينه وبين صاحب الثنتين فيما دفع إليه من النار التي بأقل قليلها ينال من إحراق بيوت كثيرة ما ينال صاحب الثنتين والثلاث والأربع لو كان.

  فإذا قال بالحق ورجع إلى الصدق، قيل له عند إقراره بذلك، ومعرفته بالأمر إذ كان كذلك: قد اصبت المعنى وقلت بالحق، وثبت على الاستواء، وثبت لك بذلك ما أحببت معرفته، من عدل الله سبحانه في ذلك وحكمته ولطيف⁣(⁣١) صنعه وقدرته، فعلى هذا المثال يخرج ما تقدم منا من المقال، فيما أعطى الله العباد من [حجة]⁣(⁣٢) عقولهم، وساوى بينهم فيما ركب من ذلك في صدورهم، فجعل كل من لزمه عقاب على فعله، أو ثواب على عمله، في حجة العقل سواء، فكل قد ركب فيه ما بأقل قليله ينال به أكثر مما افترض الله عليه، ويستدل به على حاجته منه وفيه، ويميز به بين أعماله، ويهتدي به إلى فواضل أفعاله، ويصل به إلى الاختيار في الحالين، والتمييز بين العملين، وسلوك ما شاء من النجدين، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال].

  فلم يكن لمن أعطي من حجة العقل ما ذكرنا على الله سبحانه حجة في شيء من أموره، ولا بسبب من أسبابه، بما فضل به عليه غيره من بعد المساواة فيما يحتاج إليه، كما لم يكن لصاحب الشمعة الواحدة على سيده في إحراق ما أمره بإحراقه حجة بإعطائه لصاحبه شمعتين؛ إذ المعنى في ذلك واحد في الواحدة والثنتين، والدرك⁣(⁣٣) بالجزء الواحد لما أمر به من النار في إحراق الحشيش كالدرك بالجزئين.

  فهذا معنى ما عنه سألت، فافهم الجواب في ذلك إن شاء الله بحمد الله⁣(⁣٤)، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليماً.


(١) في (ب، ج): ولطف.

(٢) (حجة) سقط من (أ، د).

(٣) أي: النتيجة. (معجم الرائد معنى).

(٤) في (ب، هـ): والحمد لله.