[من يجب عليه النفير والهجرة في سبيل الله]
  وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٣٩}[التوبة].
  ثم قال سبحانه إبانة منه للمتخلفين(١) وتسمية منه لهم بأسماء الفاسقين وإخراجاً لهم بذلك من معاني المؤمنين: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ...} إلى قوله: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤}[التوبة]، فجعل المتخلفين عن جهاد الظالمين في الحكم عنده سبحانه من الفاسقين.
  وما ذكر به من ذلك أولئك ومن كان من الخلق كذلك فكثير في القرآن، معلوم عند أهل المعرفة والبيان، يطول شرحه لو شرحناه، ويجزي ما ذكرناه عما تركناه، فكيف لا يكون من منع الجهاد، وتعلل بالأموال والأولاد، من أشر العباد عند ذي العزة والإياد، وقد هتك الدين، وباين رب العالمين، وشرك في دماء المسلمين، وقوى بذلك جميع الفاسقين؟! فكان بخذلانه للدين وقعوده عن المحقين شريكاً للكافرين، ومعاضداً للفاجرين؛ إذ كانت - بخذلانه - نيته(٢) وسطوته على المحقين بتخلف المتخلفين مظاهرة، فكان محل الخاذل - بخذلانه وقعوده عند(٣) الله سبحانه - محل المحارب بمحاربته، لا ينفك الخاذل للمؤمنين من المشاركة للفاسقين فيما نالوه من المتقين في حكم أحكم الحاكمين.
  فليتق الله ربه، وليقس بفتره شبره، وليترك عنه التعلات، وليحذر من الله النقمات، فقد وضح(٤) الحق لطالبه، واستنار الرشد لصاحبه، فلا عذر في تخلف المتخلفين ولا حجة في تأويل المتأولين، ولا بد من النصرة لرب العالمين، أو الكفر بما أنزل على خاتم النبيئين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم.
(١) في (ب، ج، هـ): لمحل المتخلفين.
(٢) في (ب، هـ، ج): بينة.
(٣) في (أ): عن.
(٤) في (ج) وهامش (ب) (صح).