مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما هي الأرواح؟ وكيف يميت الله الأجسام ولا يميت الأرواح؟]

صفحة 665 - الجزء 1

  وتقديرهم عن الآدميين، فليس من الآدميين خلق يصف ما ذكرنا بطول ولا عرض ولا جسم ولا لون، فهؤلاء مخلوقون يصفهم بما ذكرنا شكلُهم ويعرف ذلك مثلهم، قد عجز عن وصفهم الآدميون، وانحسروا عن تحديدهم، وعجزوا عن شرح ألوانهم وهم خلق من خلق الله قد أظهره، وفعل من فعله قد بينه، لم يحجب عن أمثالهم منه شيئاً، ولم يستر عن أشكالهم منه جزءاً، عجز عقلك وعقول أشكالك أيها السائل عن صفتهم، وانحَسَرْتَ ونظراؤُك عن تحديدهم، وانقطعْتَ وهم عن تقديرهم، فكيف تريد أن تحيط بصفة ما ستر الله علمه، وتقف على تحديد ما منع الله الخلق فهمه؟! ولم يبين⁣(⁣١) من علم كيفيته في نفسه قليلاً ولا كثيراً للملائكة المقربين، ولا للأنبياء المرسلين، ولا لأحد من المخلوقين.

  هذا طلب منك للمحال، وجريٌ في ميادين الضلال، وتشبث بفاسد من المقال.

  وقد وصفنا لك الروح وبيناه بالدلائل التي بينه الله لنا بها وهدانا سبحانه إليها، حتى عرفته⁣(⁣٢) بغاية المعرفة المفهومة، واستدللت عليه بأدل الدلائل المعلومة، التي دلتك على تحديده، وأوقفتك على تقديره، وشهدت⁣(⁣٣) لك على أثر صنع الله في تدبيره، وأوضحت لك أنه فعل من الله مجعول، وأنه مبعض معمول، تضمه الأعضاء، وتحوزه الأجزاء، وتحويه الأبدان بأبين البيان وأنور البرهان، فميِّز قولنا وتدبر شرحنا يبن لك أمرك، ويصح لك من ذلك محبوبك.

  وقلت⁣(⁣٤): كيف يميت الله البدن، ولا يميت الروح؟ وكل يموت.

  فأما معنى خبر الله من إحياء الروح فإن ذلك بحكمة الله وفضله، وما أراد من الزيادة في كرامة المؤمنين، وأراد من الزيادة في عذاب الفاسقين، فجعل


(١) في (ب، هـ): يتبين.

(٢) في (ب، هـ): عرفناه.

(٣) في (أ، ب، د، هـ): وشهد.

(٤) في (ج): وسألت.