[ما هي الأرواح؟ وكيف يميت الله الأجسام ولا يميت الأرواح؟]
  الأرواح حية باقية إلى يوم الدين؛ ليكون روح المؤمن من بعد فناء بدنه في البشارات والسرور والنعيم والحبور بما يسمع من تبشير الملائكة بالرضا والرضوان، من الواحد ذي الجلال والسلطان، وما أعد له من الخير العظيم والثواب الجسيم، كل ذلك يتناهى إليه علمه، ويصل به من ربه فهمه، فيكون ذلك زيادة في ثوابه، ومبتدأ ما يريد الله من إكرامه، حتى يكون يوم القيامة المذكور(١)، ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى، فيقع بهذا الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم، فيموت ويفنى، كما فني البدن أولاً.
  وكذلك تدبير الله [وفعله](٢) في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه؛ لما في بقاء روحه [عليه](٣) من الحسرة والبلاء بما يعاين ويوقن ويبلغه من أخبار الملائكة وذكرها لما أعد الله له من الجحيم والأغلال والسعير وشرب الحميم، وما يصير إليه غداً من العذاب الأليم، فروحه في خزي وبلاء، وحسرات تدوم ولا تفنى، وحلول العويل به والشقاء، فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه، ومقدمة لما أراد الله من إخزائه حتى ينفخ في الصور، فيحق بهذا الروح ما حق بغيره من الفوت، ويواقعه ما واقع جسمه من الموت، ثم ينفخ النفخة الثانية، من بعد موت كل شيء، وهلاك كل حي، ما خلا الواحد الأحد الفرد الصمد، المميت الذي لا يموت، المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتاً.
  ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان؛ لكان في ذلك فرج(٤) وراحة للكفار، وغفلة وفرحة للأشرار، ولكان ذلك غماً وكآبة على المؤمنين، ونقصاناً وتضعضعاً لسرور الصالحين.
(١) في (ب، هـ): المذكورة.
(٢) زيادة من (ج).
(٣) زيادة من (ب، ج، هـ).
(٤) في (أ، ج، د): فرح.