[فضل الملائكة على الأنبياء]
  فافهم ثاقب(١) حكمة الله وتقديره، وصنعه في ذلك وتدبيره، وما جعل في تأخير موت الأرواح من الكرامة للمؤمنين، والهوان للفاسقين، فإنك إن أفكرت في ذلك بخالص لبك، واستعملت فيه ما جعل الله من مركب فكرك، صحت لك آثار الحكمة في ذلك، وبان لك الأمر من الله سبحانه كذلك.
[فضل الملائكة على الأنبياء]
  وسألت أكرمك الله عن الملائكة والأنبياء À فقلت: أيهم أفضل؟
  والجواب في ذلك: أن الملائكة أفضل من الأنبياء، والحجة في ذلك: أن الفضيلة لا تكون إلا بفضل الأعمال، فلما وجدنا الملائكة أفضل أعمالاً وأكثر عبادة، حكمنا لها بالفضل على من دونها عملاً، ألا تسمع كيف يشهد الله لها بكثرة العبادة ودوام الطاعة حين يقول الله ø: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ١٩ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ٢٠}[الأنبياء]، فذكر سبحانه عنهم ما ذكر من عبادتهم ودوام طاعتهم في التسبيح له والتقديس في الليل والنهار لا يفترون، ومن كان عابداً لله الليل والنهار لا يفتر، خلاف من هو يفتر في الليل والنهار، ويشتغل بلذات نفسه وشهوات قلبه من الجماع والمآكل والمشارب والنوم والجلوس والحديث.
  فلما أن صح عندنا أن الملائكة مأمورة منهية(٢) كالأنبياء، مختارة للطاعة كاختيار الأنبياء، قادرة على ضد الطاعة لو أرادته بما جعل الله فيها من الاستطاعة والتمكين ثم وجدناها قد استعملت ذلك كله أثرة لله، وإقبالاً على طاعته ففرغت أنفسها الليل والنهار في عبادته لا تفتر، حتى شهد الله لها بذلك، كانت عندنا أفضل من الأنبياء بما ذكرنا من فضل عملها ودوام طاعتها.
  ومن الدليل على فضل الملائكة على الأنبياء قول الله ø: {لَنْ
(١) في (أ، هـ): باب.
(٢) في (ب، هـ): ومنهية.