مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[فيمن جعل الله الأمر والنهي]

صفحة 66 - الجزء 1

  الْفَاسِقُونَ ٥٥}⁣[النور]، وقال سبحانه لرسله: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ١٣ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ١٤}⁣[إبراهيم]، وقوله لإبراهيم صلى الله عليه: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ١٢٤}⁣[البقرة]، وعلى هذا النحو قال تبارك وتعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}⁣[آل عمران: ٢٦]، يعني: الأنبياء ومن تبعهم من الأئمة الصادقين، كقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ١١٩}⁣[التوبة]، وكقول إبراهيم #: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}⁣[إبراهيم: ٣٦]، ثم قال: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}⁣[آل عمران: ٢٦]، فقد نزع الملك من الفراعنة والجبابرة، وإنما الملك هو الأمر والنهي، لا المال والسعة والجِدَة، كما قال ø عندما قالوا: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ}⁣[البقرة: ٢٤٧]، فقد بين ø في هذه الآية أن الملك هو الأمر والنهي، لا سعة المال.

  ثم قال: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ}⁣[آل عمران: ٢٦]، فقد أعز الأنبياء ومن تبعهم من الأئمة الصادقين وأوليائهم الصالحين، وذلك قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}⁣[المنافقون: ٨]، والمؤمن لا يملك من متاع الدنيا شيئاً، فسماه الله عزيزاً؛ إذ فعله ذلك يوصله إلى دار العز أبد الأبد.

  ثم قال: {وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}⁣[آل عمران: ٢٦]، فقد أذل الفراعنة ومن تبعهم من الظالمين؛ لأنهم معتدون غير محقين.

  فكل من كان في يده أمر ونهي، وكان فعله مخالفاً للكتاب والسنة فهو فرعون من الفراعنة، وكل عالم متمرد فهو إبليس من الأبالسة، وكل من عصى الرحمن من سائر الناس فهو شيطان من الشياطين، وذلك قوله: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}⁣[الأنعام: ١١٢]، ثم قال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ٦}⁣[الناس].

  والظالم وإن اتسع في هذه الدنيا من مال غيره، وأكثر من مظالم الناس، ووقع عند الجاهل أنه عزيز، فهو عند الله ø وعند أوليائه ذليل؛ لأن فعله ذلك