مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[كيف تكون وسوسة إبليس إلى الآدمي]

صفحة 671 - الجزء 1

  ما في قلبه من المعصية لشكله وهو إبليس، فيقوى الشكل بمقاربة شكله، والجنس بمقاربة جنسه، كما يقوى كل شيء بمداناة مثله أو مقاربة شكله.

  فهذا معنى وسوسة إبليس هو بالمقاربة والمداناة لا بالمكالمة والمناجاة، ومثلُ قوة المعصية في قلب الآدمي بمداناة شكلها من هذا اللعين الجني - مثلُ الجمر جعلت منها في بيت فيه جماعة خمسين رطلاً جمراً متوقداً يقد بعضه في بعض، ثم أتيت بمائة رطل أخرى جمراً متوقداً فألقيته إلى جنب ذلك الجمر الأول فقوي عمل الأول بعمل الآخر، وقوي عمل الآخر بعمل الأول، واشتد عملهما وصعب أمرهما، حتى لا يطيق من في البيت أن يجلس فيه ولا يقوم مع شدة ما فيه من حر النار وتلهبها، وقوة بعضها ببعض، فقوي عمل الجزئين لمقاربة⁣(⁣١) أحدهما لصاحبه؛ إذ هما شكل واحد ومعنى واحد، ولو أُفرد كل واحد منهما وفُرِّق بينهما لم يكن عملهما متباعدين كعملهما متقاربين، فعلى هذا ومثله من قوة الشكل بشكله تكون وسوسة إبليس لصاحبه الآدمي، المضمر لما أضمر إبليس، المشاكل له بالإضمار في عمله، والمقارب بإضماره له في فعله.

  فافهم معنى ما ذكرنا من معاني الوسوسة، وفطنة إبليس لما يفطن به في الآدمي من المعصية.

  وقد قال غيرنا في ذلك بأقاويل فزعموا أنه يجري في الآدمي مجرى الدم [في الأبشار]⁣(⁣٢)، فاستحال ذلك عند من فهم؛ لأنه لا يجوز أن يدخل جسم في جوف جسم، فيجري في عروقه، ويجتمع في بدن واحد روحان، روح ساكن وروح متحرك هذا محال أن يستَجِنّ في جسم واحد روحان، ولا يدخل في جسم جسم؛ لأن هذا لا يعرف في الأجسام ولا يتهيأ، ولا يثبت في العقول، فلما لم تقبله العقول استحال أن يكون شيئاً معقولاً.


(١) في (أ، ب، هـ): بمقاربة.

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج، د).