[كيف تكون وسوسة إبليس إلى الآدمي]
  وقال قوم: يلقى إبليس روح الآدمي عند جولانه في وقت منامه فيأمره وينهاه، ويزين له ما يريده ويشاؤه، وقالوا: لا تكون الوسوسة من إبليس إلا من بعد النوم، يلقى روح الآدمي عند خروجه من بدنه وجولانه بعد نومه، فيكون منه إليه ما ذكرنا ويلقي إليه ما قلنا.
  فاستحال هذا من قولهم أيضاً، كما استحال القول الأول؛ لأنا نظرنا في هذا المعنى فوجدناه باطلاً، وبطلانه أنا وجدنا الآدميين ربما أتوا في أنواع المعاصي وألوانها في مجلس واحد بألوان وهم أيقاظ(١) غير نيام، فلما أن وجدناهم يعملون في مجلس واحد ألواناً كثيرة من المعاصي التي يخطر بعضها على قلوبهم بعد بعض، وتحدث في صدورهم حادثاً بعد حادث، وخاطراً بعد خاطر، لم يتعلموا(٢) قبل ذلك المجلس في شيء منها، ولم يضمروا جنساً من جنوسها علمنا أن ذلك بوساوس(٣) الشيطان ومقاربته.
  ورأينا من كان كذلك يقظان غير نائم والمعاصي تأتي منه أولاً فأولاً في مجلسه ذلك، من قذف المحصنات، وشرب خمر(٤)، وقتل مسلم، وأخذ مال يتيم ومسكين، وضرب مؤمن، وسفك دم حرام، وشهادة زور، وكذب وبهتان، وتشبيه الله سبحانه وتجويره في فعله، وإكذاب لوعده ووعيده، وغير ذلك من ألوان الفسق، مما يأتي به كفرة الخلق، فلما رأينا هذه الأشياء تكون من فاعلها في أوقات وساعات لم يدخل بينها منه نوم ولا غفلة - استحال عندنا أن تكون وسوسة إبليس من بعد النوم وخروج الروح؛ لأن هذه المعاصي كلها في افتراقها
(١) في (ب، ج، هـ): يقاظاً.
(٢) في (ج، د): يتعملوا.
(٣) في (ب، ج، هـ): بوسواس.
(٤) في (ج): الخمر.