[معنى قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات}]
  ثم ترد سموات مطبقات، كما خلقت من الدخان أولاً سموات مقدرات مجعولات، تبييناً منه سبحانه لقدرته، وإظهاراً لنفاذ أمره فيما افتطر من فطرته.
  فهذا معنى ما ذكر الله من تبديل الأرض والسماء(١)، لا أنه يذهب بهما ويخلق سواهما من غيرهما، وإنما تبديله لهما وتغييره نقلهما من حالة إلى حال، والأصل واحد مستقيم غير فان ولا معدوم.
  مثل ذلك مثل خلخال من ذهب أو فضة كسر فصير خلخالاً أوسع منه قدراً أو أصغر منه قدراً، فكان قد بدلت خلقته، وغيرت صنعته، ونقلت حالته من حال إلى حال، ومن مثال إلى مثال، فبدل تصويره، وأصل فضته ثابت لم يبدل ولم يغير، وإنما غير منها خلقتها وتقديرها، وصورتها وتمثيلها، والأصل ثابت قائم موجود من العدم سالم.
  وكذلك تبديل ما يبدل من الحديد، فيكون أولاً سيفاً، ثم يرد خنجراً، ثم يجعل الخنجر سكيناً، ثم ينقل السكين فيجعل أوتاداً وسككاً(٢)، فهو(٣) ينقل من حال إلى حال، وهو الحديد الأول لم يتغير ولم يبدل، وإنما المتغير(٤) منه تصاويره وتقاديره، ونقل أحواله ومقاديره، فهو الحديد الثابت يجعل مرة سيفاً كما ذكرنا ويقلب ثانياً(٥) صنفاً من الصنوف التي ذكرنا، فهو وإن تغيرت أحواله، واختلفت مجعولاته، فهي الحديدة المعروفة الأولة، الأصلية المفهومة.
  وكذلك ما ذكر رب العالمين في تبديله(٦) السموات والأرضين، فهو نقله لهما
(١) في (ب، هـ): والسموات.
(٢) سكة: حديدة تحرث بها الأرض. (معجم الرائد).
(٣) في (ب، ج، هـ): هو.
(٤) في (هـ): التغيير.
(٥) في (هـ): ثانية.
(٦) في (هـ): تبديل.