[من أين يلزم أهل القبلة الكفر؟]
  لأن الله جل ذكره نهاه أن يعبد معه غيره، فتعدى أمره فكان له عاصياً، وكان بعصيانه له كافراً؛ إذ نهاه أن يعبد معه سواه، فعبد معه غيره.
  وكذلك اليهود والنصارى لم نجد أصل كفرهم وشركهم إلا معصية الله في محمد ÷، ولو أطاعوا الله في محمد والتصديق بما جاء به من عند الله لكانوا مؤمنين، فثبت عليهم الشرك لمعصية(١) الله وترك طاعتهم لمحمد ÷، وهم بالله مقرون وله فيما أمر به عاصون، فلما أن عصوه في أمره كانوا عنده كافرين، وفي حكمه فاسقين.
  وكذلك من ينتحل اسم الإسلام والإيمان، وهو مقيم لله سبحانه على كبائر العصيان، فحاله عندنا حال من ذكرنا من العاصين، وإن كانوا بمحمد من المقرين، فهو مقر بلسانه جاحد بفعله، عن الله معرض بقلبه، وقد أبى الله ø أن يكون من كان كذلك أو على شيء من ذلك مؤمناً، حتى يقيم شرائع الإيمان بفعله، ويصحح القول بعمله وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ١٥}[الحجرات]، فدل بقوله إنما المؤمنون الذين آمنوا وفعلوا، على أن من لم يفعل ذلك فليس من المؤمنين، ومن لم يكن من المؤمنين فليس من المتقين، ومن لم يكن من المؤمنين المتقين فهو من الكافرين الفاسقين.
  وفي ذلك ما يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~ أنه قال: (الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول)، فبين أن العمل أصل الإيمان، وأن من لم يكن له عمل زكي فليس بمؤمن تقي، ومن لم يكن مؤمناً مرضياً فهو كافر(٢) شقي.
(١) في (أ، ب، ج، هـ): بمعصية.
(٢) قد تقدم الكلام في المنزلة بين المنزلتين ما يخالف هذا في ظاهره، ولعل نفي الكفر عنه سابقاً كفر الجحود، وهنا أثبت له كفر النعمة، والله أعلم. هامش (أ).