مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[إقامة الحق على من لم يشمله عطاء الإمام ولم يستمع العلم]

صفحة 683 - الجزء 1

  صحبه أبو السرايا⁣(⁣١) من تخليته للسارق الذي خلاه وتركه لم يقطع يده، وقوله في ذلك: «لم يذق عدلنا فنجري عليه حكمنا»، وإنما أراد بقوله: «عدلنا» أي: تعليمنا وتفهيمنا وتوقيفنا له على حلال الله وحرامه، حتى يعلم ما يجب به عليه القطع من غيره، وما يجب به عليه الحدود كلها.

  وكذلك فعلنا نحن أيضاً في بعض ما دخلنا من القرى، فأُتينا بسكران من جانب المسجد، وكان ذلك في وقت ما دخلنا، فسألناه عن فعله فذكر أنه لم يعلم أنا نحرم الخمر، ولا أنا نحد عليها، ولا أنه يكون منا أدب فيها، فأزحنا عنه الحد بما أدلى به من جهله، وعرفنا له الحق علينا من أمره.

  وذلك أن سيرتنا والواجب علينا إذا دخلنا بلداً أن نكتب كتاباً نبين فيه للأمة ما نقيم فيه الحدود عليها، ثم نقرأه عليها في أسواقها ومساجدها ومواضعها ومجتمعاتها، فإذا أثبتنا ذلك لها، وأعذرنا وأنذرنا بالحق إليها جرت بعد ذلك أحكام الله سبحانه عليها، ومضت حدوده سبحانه فيها.

  وإنما فعلنا ذلك لعلمنا بكثرة الجهال، وغلبة الضُّلَّال، وقلة الهدى وتراكم الغفلة والهوى، وذلك لفقدان الدعاء، وعدم أهل التقوى، وبعد الأئمة الهادين، وقرب الأئمة الفاسقين، الذين لا يلزمون أنفسهم تعريف الأمة رشداً، ولا اكتسابها براً ولا هدى.

  فلما كانت أئمتهم كذلك كانوا هم أشرّ من ذلك، فعموا عن الدين، وجهلوا فروض رب العالمين، ولم يعلموا حراماً من حلال، من قول ولا فعال، شابهوا أئمتهم في فعلهم، واقتدوا بهم في أديانهم، فهم بأديان أئمتهم يقتدون، وفي عمى


(١) أبو السرايا السري بن منصور الشيباني: كان المتولي لوزارة آل محمد والقيام بنصرتهم والجهاد معهم، أحد الأمراء العصاميين، ثائر شجاع، أثنى عليه أئمة أهل البيت $ وأولياؤهم كما في الشافي والمصابيح والحدائق ومقاتل الطالبيين، ولا يسمع فيه وفي أمثاله القدح من المنحرفين. (نقلاً من التحف شرح الزلف بتصرف).