[معنى قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}]
  ومما حكى الله ø عن ولد يعقوب #: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}[يوسف: ٨٢]، فقالوا: القرية، والقرية فإنما هي البيوت والدور، وليس البيوت والدور تُسْأَل، وإنما أراد أهل القرية؛ لأنها من سبب الأهل، والأهل من سببها، فجاز ذلك في اللغة العربية، وكذلك قولهم: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} والعير فإنما هي الجمال المحملة، وليس الجمال تسأل ولا تُجيب ولا تُستشهد، وإنما أرادوا أهل الجمال وأرباب الحمولة فقالوا: سل العير، وإنما أرادوا أهلها.
  فكذلك قوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} يريد: وإن من شيء إلا وهو يوجب التسبيح على من اعتبر ونظر وفكر في أثر صنع الله بما فيه فجاز أن يقال: وإن من شيء إلا يسبح بحمده؛ لما أن كان أثر الصنع فيه موجباً للتسبيح لصانعه على المعتبرين من عباده.
  فأما قوله: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} فهو ذم لمن لم يعتبر ويستدل بآثار(١) الصنع في الأشياء فقال: {لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} يريد: لا تفقهون ما به من أثر الصنع فيها الذي يوجب التسبيح للصانع والإجلال والتوقير، وكان ذلك ذماً لمن لا يعتبر ولا يتفكر، ولا يحسن التمييز في أثر صنع الله، فيعلم بأثر صنعه ما يستدل به على قدرته، ويصح لربه ما يجب بمعرفته(٢) من توحيده والإقرار بربوبيته.
  وأما قوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ٦}[الرحمن]، فقد قال بعض العلماء: إن معنى السجود سجود ظلال الأشياء ووقوعها على الأرض، وقال بعضهم: إن هذا على المثل يقول: إنه لو كان في شيء من الأشياء من الفهم والتمييز مثل ما جعل الله في الآدميين والشياطين والملائكة المقربين إذاً لعبد اللهَ كلُ شيء وسبحه
(١) في (أ، ب، هـ): بأثر.
(٢) في (ب، هـ): لمعرفته.