مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما هو لقاح العقل؟]

صفحة 688 - الجزء 1

  تقي أو معتبر مهتد، سجد له بالمعرفة والإيقان، واستدل عليه سبحانه بذلك الصنع في كل شأن، فعبده عبادة عارف مقر، عالم غير منكر، فسجد له متذللاً عارفاً، مستدلاً عليه سبحانه بما أبصر من الدلائل في النجوم عليه.

  وكذلك حال الشجر وما فيه من عجائب الصنع والتدبير، وما ركبه الله سبحانه عليه من التقدير في ألوان ثمارها وطعومها، واختلاف ألوانها وهي تسقى بماء واحد وتكون في أرض واحدة، كما قال الله سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٤}⁣[الرعد]، فكل ذلك من اختلافها دليل على قدرة جاعلها ووحدانية فاطرها.

  فهذا أحسن المعاني عندي - والله أعلم وأحكم - في «يسجدان» أنه يسجد من أثر الصنع فيهما وأثر القدرة في تقديرهما كلُّ مؤمن عارف بالله، مقر بصنع الله وحكمته، يستدل عليه بأثر قدرته؛ فافهم ما به قلنا في قوله: {يَسْجُدَانِ}، وتفكر فيما شرحنا، وميز قولنا يبن لك فيه الصواب، ويزح عنك فيه الشك والارتياب.

[متى يعلم العبد أنه صادق عند ربه؟]

  وسألت فقلت: متى يعلم العبد أنه صادق عند ربه؟

  والجواب في ذلك: أنه إذا علم من نفسه أنه مطيع لله غير عاص، صادق غير كاذب، وقائم بحجته غير مقصر، ومؤمِّن لنفسه من عقوبة ربه بما يكون منه من طاعة خالقه، وترك جميع ما يسخط سيده - فهو إذا أيقن من نفسه بذلك صادق عند ربه، مقبول ما يكون من عمله، محمود في كل فعله.

[ما هو لقاح العقل؟]

  وسألت عن لقاح العقل؟

  ولقاح العقل فهو التجربة؛ لأن كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجربة ومضطر إليها، غير مستغن عنها.