[رياضة النفس]
[رياضة النفس]
  وسألت عن رياضة النفس ما هي وكيف تكون؟
  واعلم رحمك الله ووفقك وهداك للرشد وسددك، أن رياضة النفس على صنوف، يجمع الصنوف المختلفة أصل واحد تكون فيه مؤتلفة، وهو: ترغيبها فيما أعد الله للمتقين، وجعل سبحانه في الآخرة من الثواب للمؤمنين، وحكم به من الفوز لأوليائه الصالحين، والترهيب لها بما أعد الله للعاصين من العذاب المهين، وشراب الحميم، وطعام الزقوم، وما أشبه ذلك من ألوان العذاب المقيم، فهذا أصل رياضة النفس.
  ومن فروع ذلك ما روي عن بعض الصالحين فيما(١) كان يرهب به نفسه مما يشبهه(٢) بعذاب رب العالمين، من أنه كان ربما لذع نفسه بالنار إذا طمعت أو همت بالمعصية أو طغت، فإذا وجدت حرقة النار قال: هذا جزعك من هذه النار الصغيرة، فكيف تدعيني(٣) إلى ما يدخلني وإياك النار الكبيرة؟
  ومن رياضة النفس: ما ذكر عن بعض الصالحين من أنه كان يخلو ثم يخاصم نفسه بأرفع ما يكون من الصوت كما يخاصم الخصم خصمه، ويحاور الضد ضده، فيقول: فعلتِ بي كذا وكذا، وفعلتِ بي كذا وكذا، وهذا هلكتي وهلكتك وتلفي وتلفك، فلا يزال كذلك حتى تنكسر له نفسه وتراجع له.
  ومن رياضة النفس: ما هو فرع للأصلين اللذين أثبتناهما وذكرناهما لك وفسرناهما - تذكرها للموت والفناء، وخروجها مما تميل إليه من لذات الدنيا، وانتقالها من دار سرورها ورخائها إلى دار فنائها وبلائها، وما يكون من تمزق بدنها في الثرى، ثم ما يكون من بعده من الحسرة في يوم الدين، والمحاسبة لها من رب العالمين.
(١) في (ب، هـ، و) بدل فيما: أنه.
(٢) في (ب، هـ، و): يشتهيه.
(٣) في (أ، ب): تدعينني.