[الاستعانة بالظالمين]
  وقد أغنى الله من عقل بما كان من فعل رسول الله ÷ في ذلك من الاستعانة بغير أهل الملة من اليهود وغيرهم من مشركي الحبش، وكان ÷ يستعين باليهود في حربه، وبالمنافقين الكافرين به المستهزين بحقه، وكتاب الله يبين ذلك له من أمورهم، وينزل عليه بكرة وعشياً، وأمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أصحابه الذين آمنوا به، وهم اثنان وسبعون رجلاً، أن يمضوا ويهاجروا إلى بلاد الحبش، وأمرهم أن يستعينوا به وبطعامه وبشرابه على من يريدهم بسوء، فجهزت قريش لما جاءوا إليه البُرُد(١) في أمرهم، وبذلوا الأموال في تسليمه إياهم إليهم، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ إليه يسأله المعونة على قريش لأصحابه وله، وسأله(٢) أن لا يسلمهم وأن يعينهم على أمرهم، ففعل ذلك وأهدى إليه حراباً وبغلتين وشيئاً من الذهب، فقبل ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ، وكانت الحراب تحمل قدامه وتركز بين يديه إذا صلى.
  وكذلك أهدى إليه ملك قبط مصر جاريتين وبغلة(٣) وحللاً من حلل مصر، فقبل ذلك كله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ من القبطي، والقبطي مشرك بالله، جاحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ، فاتخذ إحدى الجاريتين - ويقال إنهما كانتا أختين - فدعاهما إلى الإسلام فأسلمت واحدة، فوطيها فولدت له إبراهيم صلى الله عليه، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت الأنصاري.
  فأي استعانة أكبر من هذا؟ أو حجة أبين مما ذكرنا؟ والحمد لله، وهذا يجزي لمن عقل عن التطويل إن شاء الله، والقوة بالله.
  وكذلك استعان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ في فتح مكة من أعراب فزارة وغير ذلك من أعراب البوادي وجفاتهم ممن هو مُسلِّم لحكمه، غير عارف بحدود ربه.
  تم ذلك والحمد لله حمداً كثيراً كما هو أهله ومستحقه وصلواته على محمد وآله
(١) بُرُد: جمع بريد. (معجم وسيط معنى).
(٢) في (هـ): ويسأله.
(٣) في (هـ): وبغلتين.