مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

مسألة لأبي القاسم محمد بن يحيى @

صفحة 715 - الجزء 1

  بالإيمان؟ [أم المحصنة بالحرية]⁣(⁣١) أم المحصنة بالعفة والحرية معاً؟ فلم يكن عند القوم في ذلك حجة قاطعة تجمعهم فيه على مقالة واحدة، فافترقوا في ذلك على ثلاثة أقاويل؛ إذ لم يعرفوا لقول الله وحكمه في ذلك تأويلاً، فقال قوم: لا حدّ إلا على من قذف حرة محصنة بالإيمان، وقال قوم: بل الحد أيضاً على من قذف أمة محصنة بالعفة والإحسان، وقال قوم: بل الحد أيضاً على من قذف ذمية محصنة بالعفة.

  والحد يقع بإحصان العفة، فكل عفيفة عن الزنا مجنبة عن هذا المعنى، كائنة من كانت من حرة أو أمة أو ذمية معاهدة، فعلى قاذفها الحد الذي جعله الله في قذفها.

  فلما أن اختلفوا كذلك، ولم يهتدوا إلى الرشد من ذلك، علمنا أن في كتاب الله سبحانه بيان ما فيه اختلف أولئك، فرجعنا إلى كتاب نبتغي فيه بيان ذلك، فوجدنا الله سبحانه يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٢٣}⁣[النور]، يقول سبحانه: عذاب في الدنيا، والعذاب في الدنيا فهو: الضرب الذي حكم الله به عليهم في الدنيا، فأما عذاب الآخرة فهي النار وبئس المصير.

  فبين سبحانه في هذه الآية على من يقع عذابه الذي حكم به على القاذفين، فذكر على أنه من رمى المحصنات الغافلات المؤمنات، فنظرنا إحصان العفة فإذا به لا يكون ولا يصح ولا يثبت إلا بالإيمان؛ لأن من لم يصح له الإيمان بالله وبرسوله، والعفة عن إنكارهما وجحدهما وجحد ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ عن الله لم يصح له اسم العفة عما هو دون ذلك من زنا ولا غيره، ولم يكن من أنكر الله ولم يعرفه بمعنى من معاني الإنكار من إنكار فطرة فطرها، أو جحدان آية أنزلها، أو نفي⁣(⁣٢) حجة له احتج بها، أو دفع رسول من رسله، أو إنكار فعل من


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (أ، د).

(٢) في (أ، د): بنفي.