مسألة لأبي القاسم محمد بن يحيى @
  الله في بعثته - بداخل في محض العفة، ولا بمشهود له بها عمن(١) عقل من الأمة؛ لأن من لم يعف عن كبائر الجحدان، ودخل في عظايم فوادح العصيان والبهتان، كان جديراً حرياً بالوقوع فيما دون ذلك من العصيان.
  والزنا فلا يكون علانية جهاراً، وإنما يفعله أهل هذه الدار في الخفية والاستتار، ومن حكم عليه بالكفر بالبينة الظاهرة، فكيف يحكم له مؤمن بالعفة الباطنة، والعفة فإنما هي مدحة من أكرم مِدَح المسلمين، وبها تثبت حقائق الإيمان، فكيف يحكم بها لمن كان من الكافرين، أو ينسب إليها من جحد الدين، وناصب رب العالمين، وأنكر فرض طاعة خاتم النبيئين، هذا من القول ما لا يقول به عاقل، ولا يتعلق بعلائقه إلا عمٍ عن التمييز جاهل، فقد أزاح - ولله الحمد - كل مسلم من الأمة عمن كان كذلك اسم العفة، فبطل بذلك قول من أوجب الحد على مؤمن أو مؤمنة إن كان منه خطأ أو جهلاً في قذف كافر أو كافرة.
  ثم نظرنا في القول الثاني قول من قال: إن الحد يجب في قذف الأمة المسلمة بإحصان العفة دون إحصان الحرية، فإذا بإحصان العفة والإحسان داخل في إحصان الإيمان؛ إذ لا يصح عفة إنسان حتى يصح له الإيمان والتقوى؛ لأن من بان وظهر فساد ظاهره الذي يحكم به عليه لم يشهد له صادق أبداً بصلاح سريرته التي تنسب إليه، فكان قوله سبحانه: {الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} يجزي عن ذكر العفيفات الصالحات؛ لأن العفة داخلة في الإيمان، فكذلك ولذلك أجزى ذكر إحصان الإيمان عن ذكر إحصان العفة والإحسان، فرجع أصل الإحصان إلى ثلاثة معان في القول والبيان: إلى التزويج، والحرية، والإيمان.
  ثم نظرنا في معنى إحصان التزويج هل له معنى فيما جعل الله سبحانه من الحد للمقذوفين على القاذفين، فلم نجد لإحصان التزويج في ذكر حد القذف
(١) في (أ، د): عند من [ظ]. ولعله الصواب.