مسألة لأبي القاسم محمد بن يحيى @
  معنى؛ لأن الحد للمقذوف على القاذف لازم أبداً كان المقذوف متزوجاً أو عزباً، فزاح بذلك أيضاً إحصان ذكر التزويج من الآية التي أوجب الله فيها على القاذفين العقوبة والنكاية، فلم يبق في حكم الآية وقصصها من الإحصان إلا إحصان الحرية والإيمان، فكان ذكر الإيمان في الآية قايماً بنفسه، معروفاً بعينه، مستغنياً بذكر ظاهره عن ذكر باطنه، وذلك قول الله سبحانه: {الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}، فاكتفى سبحانه بذكره الإيمان في المؤمنات، ونسبته إليهن عن ذكرهن بالإحصان؛ إذ كان الإيمان هو رأس الإحصان، وبه يكمل للمحصن اسم الإحصان، فلم يبق في الآية ذكر من ذكر محصناً في الكتاب، أو مدعي بالإحصان في سبب من الأسباب إلا وقد خرج منها وبان بما احتججنا به من الحجة عنها، ما خلا إحصان الحرية وحده، فعلمنا أن ما جاء في الآية من ذكر الإحصان هو إحصان الحرية دون غيره، وذلك قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٢٣}[النور]، فكانت هذه الآية مفسرة لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤]، فبين قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} ذكر الحد على من يجب من القاذفين، وأخبر أنه يجب في قذف المحصنات بالحرية الغافلات المؤمنات من الحرائر العفيفات، ولو لم يرد سبحانه إحصان الحرية هاهنا لما كان لقوله: {الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} معنى؛ لأن الإحصان هو من ذكر الإيمان ونعته، وإنما تكون محصنة بالإحصان من بعد إيمانها، فإذا آمنت فقد أحصنها الإيمان، وإذا ذكر الإيمان استغنى عن ذكر الإحصان؛ لأن الشيء الظاهر أدل على نفسه في حال ظهوره مما يكون من نعته، ألا ترى أنه إذا قيل: وما هذا الإحصان؟ والإحصان يخرج على معان شتى - فيقال: محصنة إيمان، فيكون ذكر الإحصان دليلاً على علامة الإيمان، وإذا قيل: مؤمنة فقد استغنى عن ذكر