مسألة لأبي القاسم محمد بن يحيى @
  الإحصان إحصان الإيمان، وذلك بظهور المسمى بنفسه، فإذا ظهر الاسم واستوى لم يحتج إلى ذكر ما يدل عليه في المعنى؛ لأن قولك: هذه مؤمنة، يجزي عن أن تقول: محصنة بالإيمان؛ لأنك قد أثبت لها أصل الإحصان وفرعه حين دعوتها بالإيمان؛ إذ لا يكون مؤمن أبداً إلا وهو محصن بالتقوى، والمحصن فقد يكون هذا الاسم ويخرج على معان، فدل الله سبحانه بما ذكر في هذه الآية على ما قلنا من أنه لا يجب على قاذف حد حتى يقذف حرة مؤمنة أو حراً مؤمناً، فحينئذ يجب الحد على من قذف من كان كذلك في الحرية والإيمان، فافهم هديت معنى ما ذكرنا، وميز بعقلك تقف على ما فسرناه، وتدبره يثبت في قلبك بحول الله ما شرحناه، فإنه قول بين ظاهر لمن تدبر، دقيق غامض على من جهله، فنسأل الله إيزاع ما يلزمنا من شكره، والتوفيق لما أوجب علينا من طاعته وفرضه.
  وسألتَ عن قول الله سبحانه: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[المائدة: ١٠٣]؟
  القول في ذلك: أن قصي بن كلاب سنّ هذه الأسماء، وجعلها لقريش، فاستنت العرب بقريش في ذلك، والبحيرة: فهي شيء كان إذا أبحر الرجل، ومعنى أبحر: كثر ماله - أخذ من إبله شيئاً كثيراً أو قليلاً فوسم في خدودها بحيرة، ثم خلاها يزعم أن ذلك شكر لله.
  والسائبة: فكان إذا لهم غائب أو مريض نذروا أن يسيبوا من إبلهم إن قدم الغائب، أو صح المريض، فإذا كان ذلك سيبوا شيئاً منها، ووسموا في خدودها سائبة.
  والوصيلة: فهي من الغنم، كانت الشاة عندهم إذا ولدت خمسة بطون نظروا البطن الخامس فإن كان ذكراً أسمنوه، حتى إذا انتهى في السمن أهدوه إلى القائم لهم على الأصنام، وإن كانت أنثى ربوها في غنمهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى في ذلك البطن قالوا: قد وصلته أخته، فلا نذبحه ولا نهديه إلى خادم الأصنام. فهذه الوصيلة.