مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[معاني العبادة]

صفحة 72 - الجزء 1

  وقال عليه بالزور والبهتان - معذوراً عنده سبحانه، ساعياً في قضائه وقدره، ولم يكن يوجد على الأرض عاص؛ إذ كان المطيع يسعى بقضاء الله وقدره، وكان العاصي كذلك يسعى ببعض قضائه وقدره؛ إذ يزعمون أنه خلق قوماً للجنة وخلق قوماً للنار، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.

[معاني العبادة]

  قال يحيى بن الحسين ~: تفسير العبادة على ثلاثة أوجه:

  فوجه منها قول الله تبارك وتعالى: {[أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ⁣(⁣١)] يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ٦٠}⁣[يس]، يقول: لا تطيعوه، {وَأَنِ اعْبُدُونِي}⁣[يس: ٦١]، يقول: أطيعوني، وليس على وجه الأرض أحد يصلي للشيطان ولا يصوم له، بل كلهم يجمعون على لعنته، غير أنهم يعملون عمله، ويسعون في مرضاته، ويساعدونه على إرادته، فجعل الله ø فعلهم ذلك للشيطان طاعة وعبادة، وذلك أن كل مطاع عنده ø معبود.

  وكذلك قال رب العالمين في قصة إبراهيم الخليل صلى الله عليه حيث يقول لأبيه: {لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ}⁣[مريم: ٤٤]، وقال فرعون اللعين: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ٤٧}⁣[المؤمنون]، يقول: مطيعون.

  وقال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ١٢١}⁣[الأنعام]، فكل من أطاع عدواً من أعداء الله وعاضده⁣(⁣٢) أو كاتفه فقد أشرك بعبادة ربه غيره.

  وقال ø: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ٩٨}⁣[الأنبياء]، يعني: العابد والمعبود من الجن والإنس، لا أنه يعني: أنه


(١) زيادة من (هـ).

(٢) في (ب): أو عاضده.