[من سيرة الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين]
  الله تعالى وكان يدعو [بها](١) بنية فتجاب دعوته، وكانت بنو إسرائيل قد عظمته، وذلك في زمان موسى # وجعلوه لهم ربانياً وجبوا إليه؛ فكانوا إذا قحطوا أو نالهم مكروه أتوه فدعا لهم بأسماء الله سبحانه فتجاب دعوته، وذلك قبل موسى، فلما أدرك نبوة موسى وسمع خبره أدركه الحسد والنكد، فقال: هذا يزيح مرتبتي ورئاستي.
  فأتاه العدو فقالوا له: ادع لنا على موسى بن عمران؛ فأجابهم إلى ذلك، فلما ركب أتاناً له يريد أن يدعو لهم عليه بمكان مجتمعهم كلمته الأتان فقالت: أتدعو على نبي الله؟ إنك من الغاوين. فرجع وقال: لست أدعو عليه ولكني أحتال لكم عليه وعلى أصحابه بحيلة يكون الظفر لكم عليهم والغلب، أشير عليكم أن تهادنوه وتعدوه أن تطيعوه وتسلموا له، فإذا فعلتم ذلك أرسلتم النساء البغايا إلى عسكره متزينات متعطرات، كأنهن يبايعن ويشارين في عسكره، فإن عسكره يصيبون المعاصي ويفسد إيمانهم بمواقعتهم المعاصي، فيرفع عنهم النصر، ويستحقون بالمعصية الخذلان، ولا تثبت أقدامهم عند اللقاء فيهتزمون عنكم.
  ففعلوا ما أمرهم به حتى نفذت حيلته ومكره فيهم، ونسي ما وعظ به، وأدركه الحسد والبغي الراجع عليه وباله.
  ثم إن موسى # قاتل ثلاثة أيام بعد انقضاء الهدنة ومباينتهم له، وبدوهم بالحرب لما نفذت مكيدتهم، فكلما لقي أصحاب موسى العدو لم تثبت أقدامهم وانهد جيشهم، فيصيح موسى: «عطاف»(٢) فلا يعطف أحد، فأقام ثلاثاً على هذا الحال، ثم قال: أنا نبي الله وكليمه لقد عصيتم، وهبط إليه الوحي: أن ائت خباء من أخبية أصحابك فانظر ما فيه.
  فلما أتى الخباء إذا فاسق على فاسقة، فطعنهما بحربته فشكهما جميعاً وهما على قبيح فعلهما ورفعهما وصاح - وكان صَيِّتاً شديد القلب شديد القوة -: يا بني
(١) (بها) سقط من (د).
(٢) العطَّاف: الذي يحمي المنهزمين. (معجم وسيط).