مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الانهزام بسبب المعاصي]

صفحة 730 - الجزء 1

  إسرائيل هذا الفعل الذي يقلبكم على أعقابكم عند القتال، وشالهما حتى نظر العسكر إليهما وهو يهزهما، وهو حديد عجل الكلام قد أزبد على بني إسرائيل أسفاً وغيظاً وغيرة على من عصى الله، وشدة في ذات الله ø، فلما رأت ذلك بنو إسرائيل اجتمعوا إليه وقالوا: نجدد البيعة والعهد لله، ونصح التوبة.

  فاصطفوا للصلاة والدعاء وبسط نبي الله كساءه وكان لهم دليلاً على قبول توبتهم أن تجتمع فيه ألوان شتى فيعلمون أن قد قبلت توبتهم.

  في سحر يوم الجمعة عند انفلاق الفجر أمر موسى بالبوق فنفخ، وهو أول من أحدث أبواق الصفر، وذلك أن عساكره شكوا إليه أنهم لا يشعرون بحركته فألهمه الله لأبواق الصفر، وقيل: والجباجب⁣(⁣١) أيضاً، ثم سار موسى صلى الله عليه بهم واصطفوا بعد التوبة للقتال فثبتت أقدامهم، وانقلب العدو على أعقابهم مدبرين، ومنح الله أكتافهم، وغلب جند الله كما قال سبحانه: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ١٧٣}⁣[الصافات]، فلما دخل # القرية انبعث إليه بلعام بن باعورا وهو دالع لسانه، قد ختم على فيه من الكلام وهو يلهث كما يلهث الكلب، والخلائق ينظرون كيف غير أمر الله فغير الله به.

  فأقام عبرة ومنظرة للعالمين أياماً على حاله، ثم قضى عليه الموت، فذكر الله ذلك لنبينا محمد ÷ فقال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ١٧٥ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦}⁣[الأعراف].

  قال القوم: فعلمنا أن الهادي رحمة الله عليه قد أزكن⁣(⁣٢) أن انقلابنا على أعقابنا تلك العشية كان لسوء فعلنا.


(١) طبل. (قاموس).

(٢) الزكن: ظن بمنزلة اليقين. (قاموس).